بدائل اجراءات الدعوى العمومية
Texte intégral
(2) اهـداء اىل أحب الناس عىل قليب وأقرهبم ايل أيب رمحه هللا وأيم أطال هللا يف معرها زوجيت وابناي محمد رايض ويوسف مجيع اخويت اىل لك الزمالء اذلين وقفوا اىل جانيب وأخص ابذلكر الزمالء حططاش عبد العزيز ،بورسي عبد اللطيف، بن عيىس العمري ،بوعبد هللا رضوان ،بدور رضا وسامل عبد الوهاب..
(3) شكر وعرفان بعد محد هللا وشكره حق قدره عىل أن وفقين لمتام هذا البحث بفضهل ومنته أتقدم ابلشكر اجلزيل اىل الس تاذ ادلكتور بنيين أمحد لتكرمه ابلرشاف عىل أطروحيت هذه وعىل لك ما أمدين به من نصاحئ وتوجهيات قمية طيةل مدة اعدادها ،فكل مين أس تاذي الفاضل خالص عبارات الشكر والتقدير. عيل بوقهتم المثني لقراءة كام أخص ابلشكر الوافر لك أعضاء جلنة املناقشة اذلين مل يبخلوا ّ هذه الطروحة ومناقش هتا. كام أتوجه بشكري اجلزيل اىل لك من سامه يف اثراء هذا العمل املتواضع من قريب أو من بعيد ،وأخص ابذلكر الس تاذ ادلكتور خلفي عبد الرحامن..
(4) قائمة املختصرات ا أوًل :باللغة العربية م. = مادة. ف. = فقرة. ص. = صفحة. صص. = من الصفحة الى الصفحة. ق.ع. = قانون العقوبات الجزائري. ق.إ.ج. = قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري. ق.إ.ف. = قانون اإلجراءات الجزائية الفرنس ي. ق.إ.م. = قانون اإلجراءات الجنائية املصري. ق.ج. = قانون الجمارك. س. = سنة. ع. = عدد. ج.ر. = جريدة رسمية. غ.ج.م. = غرفة الجنح واملخالفات. غ.ج. = الغرفة الجنائية.
(5) ا باللغة الفرنسية:ثانيا P. = page. PP. = de la page jusqu’à la page. N°. = numéro. c.p.p.F. = code de procédure pénale Français. Op.cit. = ouvrage précité. Ibid. = même endroit, même ouvrage. Vol. = volume. Doc. = document.
(6) املقدمة.
(7) مقدمة يتضمن القانون الجنائي في شقه املوضوعي مجموعة القواعد القانونية التي تحدد صور الجرائم والعقوبات املقررة لها ،بحيث أنه وحينما تقع أي جريمة في املجتمع يتولد للدولة في مواجهة مرتكب الجريمة حق ّ يسمى بالحق في العقاب والذي تقتضيه عن طريق مباشرة إجراءات الدعوى العمومية. ومع تطور املجتمعات وتشابك العالقات اإلنسانية وتعقيدها ازدادت وتطورت الجريمة ً تبعا كما ً لذلك ً ونوعا ،سواء تعلق األمر هنا باإلجرام التقليدي والذي تزايد ً كثيرا أو باإلجرام الحديث والذي ظهرت صور جديدة منه في كافة مجاالت الحياة ،كتلك الواقعة على تشريع النقد ،الصرف، تبييض األموال ،املعلوماتية ،التهريب ،التهرب الضريبي ،البيئة والعمران ،التحرش الجنس ي ،الهجرة غير الشرعية ،تهريب املهاجرين ،اإلتجار باألشخاص ،اإلتجار باألعضاء البشرية...،إلخ ً ونوعا ّ وبازدياد وتطور الجريمة ً أحست الدولة بخطورتها وتهديدها لكيان املجتمع كما ً تشريعيا وذلك بالتجريم واملعاقبة على ومقوماته فأخذت توسع من استعمال آلتها العقابية ،سواء كل سلوك مستجد تعتبر أنه يشكل جريمة ،إلى درجة أنه ال يكاد يخلو أي قانون جديد من مادة ً قضائيا بالتصدي لها باستعمال أداة الدعوى العمومية. تجرم وتعاقب ،أو ً ونتيجة لذلك اتسع نطاق التجريم ليشمل أفعاال ليست بتلك الدرجة الكبيرة من الخطورة التي تهدد أمن املجتمع واستقراره ،هذا من جهة. ومن جهة ثانية ،فقد أدى هذا التوسع في التجريم إلى اتساع في استخدام الدعوى العمومية باعتبارها األداة التي تقتض ي من خاللها الدولة حقها في العقاب ،وترتب على ذلك كثرة عدد القضايا املطروحة على القضاء الجزائي بما يتجاوز حدود قدراته وإمكانياته ،فاملتمعن ً حاليا في وضعية تسير وفق إجراءات معقدة تستغرق ً املحاكم ،يالحظ جرائم يكثر عرضها عليها رغم بساطتهاّ ، وقتا ً طويال وتستهلك ً كثيرا غير متناسب مع أهميتها ،وقد انعكس ذلك ً جهدا ً سلبا على أداء القضاء الجزائي ملهامه من جانبين.. 2.
(8) فمن جهة خلق لديه مشكل طول آجال الفصل في امللفات ،وهو ما ّ يخل بحق األفراد في املحاكمة خالل مدة معقولة ،1وينال من حاسة العدالة لديهم ويهز ثقتهم بالقضاء. ومن جهة أخرى فإن كثرة عدد القضايا املطروحة على القضاء الجزائي أدت إلى مراعاته الكم على حساب النوعية وهو ما يحول دون تطبيقه ملبدأ تفريد العقوبة ،كما يحول دون ممارسة األجهزة املختصة بتنفيذ العقوبة لدورها في تفريد التنفيذ العقابي بغية تحقيق هدف إصالح املحكوم عليه وإعادة تأهيله وإدماجه في املجتمع. وبالتالي أصبح لهذه املعاناة وجهين ،وجه عقابي سببه التوسع واإلسراف في التجريم والعقاب، ووجه إجرائي سببه الدعوى العمومية بإجراءاتها الطويلة واملعقدة وهذا ما اصطلح على تسميته بأزمة العدالة الجنائية. وبغية البحث عن حلول لهذه األزمة سلكت السياسة الجنائية اتجاهين: أولهما موضوعي ،ويتمثل في سياسة الحد من التجريم والعقاب ،أي رفع وصف التجريم عن بعض السلوكات املجرمة وجعلها مباحة كونها لم تعد تتضمن اعتداء على مصالح املجتمع أو لم تعد محل استهجان واستنكار منه مثلما كانت من قبل ،2أو بقاء بعض هذه السلوكات غير مشروعة ومحل تجريم دون توقيع جزاءات جنائية عليها ،وإنما يتم توقيع جزاءات مدنية أو تأديبية أو إدارية أو أي من بدائل العقوبة عليها. وأساس هذا االتجاه هو التطور العميق الذي طرأ على القانون الجنائي في شقه املوضوعي والذي أدى إلى تقلص املضمون التقليدي لسلطة الدولة في العقاب ،فالعدالة التي كانت في البداية عدالة عقابية ترتكز حول السلوك املجرم والعقوبة املناسبة له ،تطورت إلى عدالة تأهيلية ترتكز ً اجتماعيا ،لتظهر ً أخيرا ما يطلق عليه اليوم بالعدالة على املجرم وسبل تأهيله وإعادة إدماجه. - 1تنص الفقرة 3ج من املادة 14من العهد الدولي لحقوق االنسان السياسية واملدنية على أنه من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يحاكم دون تأخير ال مبرر له ،وقد انضمت الجزائر إلى العهد الدولي لحقوق االنسان السياسية واملدنية بموجب املرسوم الرئاس ي رقم 67/89املؤرخ في 16مايو سنة ،1989ج.ر ،ع 20املؤرخة في 17مايو سنة ،1989ص .531 - 2مثال ذلك جنحة إصدار شيك في فرنسا والتي أزال عنها املشرع الفرنس ي الصفة الجنائية وأحالها على البنوك. 3.
(9) التصالحية والتي ترتكز على االهتمام بكافة أطراف الدعوى العمومية وذلك بإيالء عناية لجبر الضرر الالحق بالضحية ،وإعادة اإلدماج االجتماعي للجاني وتعزيز السلم االجتماعي. وعلى اعتبار أن الدعوى العمومية كانت هي األداة أو الوسيلة القانونية للوصول إلى املضمون التقليدي لسلطة الدولة في العقاب ،فإنه ال مناص من التحول عن هذه الوسيلة القانونية للوصول إلى املضمون الحديث لسلطة الدولة في العقاب ،وهذا هو االتجاه الثاني الذي انتهجته السياسة الجنائية. فقد اتجهت السياسية الجنائية ً ً اتجاها إجر ً ائيا ويتمثل في الوسائل املمكنة في تيسير أيضا إجراءات الدعوى العمومية أو بدائل اتباع إجراءات الدعوى العمومية ،وهذا هو موضوع بحثنا. التعريف باملوضوع: يمكن تعريف موضوع بحثنا هذا والذي هو بدائل إجراءات الدعوى العمومية بأنها" :تلك األنظمة القانونية التي تعطي دو ارا أكبر إلرادة أطراف الدعوى العمومية باإلضافة إلى املجتمع ا ا تعقيدا وأكثر ممثًل بالنيابة العامة في إنهاء الدعوى العمومية بإجراءات رضائية أو تصالحية أقل ا سرعة في حسم املنازعات بدًل من اتباع اإلجراءات التقليدية للدعوى العمومية أو اًلستمرار فيها". فالدعوى العمومية تقتض ي مباشرة إجراءات معينة عبر مراحلها املختلفة ابتداء من تحريك ً قانونا وتقديم الطلبات أمام قاض ي التحقيق الدعوى العمومية أو رفعها بإحدى الطرق املقررة والطعن في أوامره وتكليف املتهم بالحضور أمام املحكمة والتحقيق معه ومع كافة أطراف الدعوى اآلخرين واملرافعة وإبداء الطلبات والدفوع وإصدار األحكام ثم الطعن فيها ومتابعتها أمام الجهات املختصة لحين الفصل فيها بحكم نهائي وبات غير قابل ألي طريق من طرق الطعن ،وهي تمتاز بخاصية العمومية وكذا عدم قابليتها للتنازل أو التفاوض. ً وبالتالي فهي إجراءات معقدة وطويلة وتستهلك ً ووقتا كثيرين ،أما بدائل إجراءات جهدا ً الدعوى العمومية فهي تهدف إما إلى عدم تحريك الدعوى العمومية أصال وإما إلى عدم االستمرار. 4.
(10) فيها بعد تحريكها ،بحيث يتم االستغناء عن إجراءات الدعوى العمومية واستبدالها بإجراءات أخرى ً تعقيدا وأكثر سرعة في إنهاء املنازعات. أقل وجوهرها هو عنصر الرضا أي االعتراف بإرادة أطراف الدعوى العمومية في وضع حد لها في بعض الجرائم املاسة بهم أو املرتكبة من قبلهم وذلك باتباع إجراءات أخرى غير إجراءاتها التقليدية، ً وأ ً حيانا يضاف إلى ذلك إرادة طرف آخر يتمثل في املجتمع ممثال بالنيابة العامة والذي يقدر مدى مالئمة إنهاء النزاع عن طريق هذه البدائل ودون إتباع اإلجراءات املعتادة ،فتصبح بذلك هذه أساسا على الرضائية وتضاف لها ً البدائل قائمة ً أحيانا فكرة املالءمة. وهي في مفهومها تتضمن التحول من عدالة عقابية إلى عدالة رضائية أو تصالحية تقوم على مراعاة حقوق الضحية وجبر األضرار الالحقة به وتفعيل مشاركته في الخصومة الجنائية وكذا ً اجتماعيا وإصالح عالقته باملجني عليه لتحقيق السلم االجتماعي من تأهيل الجاني وإعادة ادماجه جانب واإلسراع في اإلجراء الجنائي من جانب آخر. وقد تم مناقشة موضوع هذه البدائل في العديد من املؤتمرات الدولية ومن ذلك مؤتمر القاهرة الخاص بالجمعية الدولية لقانون العقوبات سنة ،1984ومؤتمر األمم املتحدة العاشر ملنع الجريمة ومعاملة املجرمين املنعقد في فيينا في الفترة من 10إلى 17أفريل ،2001كما تم التطرق إلى هذه املسألة في تقرير األمين العام للمجلس االقتصادي واالجتماعي لألمم املتحدة املقدم إلى لجنة ً ترحيبا ً كبيرا في كثير من الدول والتي اتجهت إلى األخذ منع الجريمة والعدالة الجنائية ،1كما القت بها. وتعد أنظمة التنازل عن الشكوى ،الصلح واملصالحة الجزائية وكذا األمر الجزائي ،من أول البدائل التي أخذت بهما التشريعات املختلفة ملواجهة الزيادة الهائلة في أعداد القضايا الجزائية، ليتم بعدها استحداث أنظمة أخرى مثل الوساطة الجزائية ،التسوية الجزائية واملثول بناء على اعتراف مسبق بالجرم ،وهو ما أخذ به املشرع الفرنس ي الذي أصدر العديد من القوانين الساعية - 1تقرير األمين العام للمجلس االقتصادي واالجتماعي املقدم إلى لجنة منع الجريمة ومعاملة املجرمينً ، وفقا للقرار رقم 26/1999والقرار رقم 14/2000في الدورة الحادية عشر املنعقد بفيينا من 16الى 25أفريل ،2002البند الثالث من جدول االعمال املؤقت :إصالح نظام العدالة الجنائية :تحقيق الفعالية واالنصاف ،الوثيقة رقم 5/2002/15املؤرخة في 7جانفي ،2002ص ،3متوفر على موقع: ، https://www.unodc.org/pdf/crime/commissions/11comm/5a.pdf,تاريخ الدخول.2018/03/14 : 5.
(11) نحو تبسيط إجراءات التقاض ي وإقرار أنظمة بديلة عن الدعوى العمومية ،ويعد قانون مواءمة العدالة لتطورات الجريمة رقم 204 - 2004الصادر في 9مارس 2004أهم هذه القوانين ،وقد أقره املشرع الفرنس ي بهدف التقليل من قرارات الحفظ 1وفي ذات الوقت بهدف خفض عدد القضايا أمام القضاء الجزائي ،فهذه األنظمة تمثل ما يسمى بالطريق الثالث ،بمعنى أن هناك طريق ثالث يتمثل في اللجوء إلى بدائل الدعوى العمومية املنصوص عليها في املواد 2- 41 ،1- 41و 3- 41من ق.إ.ف بدال من الطريقين التقليدين فقط وهما إحالة الدعوى للمحاكمة أو حفظها. وفي مصر أصدر املشرع القانونين رقم 74لسنة 2007و 153لسنة 2007وذلك بتعديل بعض أحكام قانون اإلجراءات الجنائية ،وذلك بالتوسيع في نظامي التصالح واألمر الجنائي. أما في الجزائر فقد ّ كرس املشرع الجزائري منذ سنة 1966بعض البدائل والحلول التي من شأنها اختصار إجراءات التقاض ي ومن ذلك نظام التنازل عن الشكوى وكذا غرامة الصلح واألمر الجزائي في مواد املخالفات ،ثم املصالحة الجزائية وبعدها نظام صفح الضحية في العديد من الجنح التي لها عالقة بالحياة الخاصة بالضحية وبحياتها األسرية وكذا سالمة جسمها والذي يعد أولى الخطوات التي يخطوها املشرع الجزائري نحو العدالة التصالحية. إال أن القانون األكثر أهمية هو األمر رقم 02 -15املؤرخ في 23جويلية 2015املعدل واملتمم ً أحكاما جديدة تهدف إلى إحداث تغييرات أساسية في لقانون اإلجراءات الجزائية ،2والذي تضمن سير القضاء الجزائي ورفع مستواه ونجاعته ،بحيث تم استحداث نظام الوساطة الجزائية كآلية بديلة للمتابعة الجزائية في مادة املخالفات وبعض الجنح البسيطة التي ال تمس النظام العام واملحددة على سبيل الحصر والتي تؤدي فيها الوساطة دور الصلح ،خاصة في قضايا الجوار والخالفات العائلية ،وغيرها من القضايا التي ّ تحبب فيها الحلول التوافقية بين األطراف ،كما تم - 1بحيث بلغت عدد القضايا املحفوظة سنة 2.996.217 :2015قضية من مجموع 4.260.836قضية ،أي ما يعادل ،% 70.31انظر: Les chiffres –clés de la justice 2016, p14, disponible sur le site : http://www.justice.gouv.fr/art_pix/stat_CC%202016.pdf, visité le 20-01-2018. كما بلغت سنة 3.112.642 :2016قضية من مجموع 4.479.808قضية ،أي ما يعادل ،% 69.48انظر: Les chiffres –clés de la justice 2017, p14, disponible sur le site : http://www.justice.gouv.fr/art_pix/stat_Chiffres%20Cl%E9s%202017.pdf, visité le 20-01-2018 - 2أمر رقم 02- 15مؤرخ في 23يوليو سنة ،2015يعدل ويتمم األمر رقم 155- 66املؤرخ في 8يونيو 1966واملتضمن قانون اإلجراءات الجزائية ،ج.ر ،ع 40املؤرخة في 23يوليو سنة ،2015ص .28 6.
(12) استحداث آلية األمر الجزائي في الجنح البسيطة التي من املحتمل أن تنحصر عقوبتها في الغرامة فقط. نطاق البحث: يقتصر نطاق البحث في هذه الدراسة على بدائل إجراءات الدعوى العمومية في القانون الجزائري والتي هي أنظمة التنازل عن الشكوى ،املصالحة الجزائية ،الوساطة الجزائية واألمر الجزائي ،مع االستئناس ببعض البدائل األخرى من القانون الفرنس ي والتي يمكن األخذ بها في تشريعنا الوطني والتي هي نظامي التسوية الجزائية واملثول بناء على االعتراف املسبق بالجرم. أهمية البحث: يحتل بحثنا هذا في موضوع بدائل إجراءات الدعوى العمومية أهمية كبيرة ً نظرا لحداثته، ف ً تبعا للتطورات الحديثة للسياسة الجنائية تطور مفهوم العدالة من عدالة عقابية إلى عدالة رضائية أو تفاوضية ،كما تحول مسار اإلجراءات الجزائية تدر ً يجيا من النظام التنقيبي نحو النظام االتهامي بفعل تزايد دور الخصوم في الدعوى العمومية ،وخاصة املجني عليه الذي أصبح يحتل مكانة كبيرة ال تقل عن مكانة النيابة العامة واملتهم.1 ً وهذا ما ترك ً واضحا على الطبيعة القانونية للدعوى العمومية التي بدأ ينظر إليها على أنها أثرا نوع من امللكية الخاصة للمتهم واملجني عليه التي يكون لهما حق التصرف فيها أو التفاوض عليها وظهر ما يعرف بخصخصة الدعوى العمومية. وهذا ما يقتض ي دراسة تلك البدائل في تشريعنا الوطني من أجل تسليط الضوء على مختلف هذه التطورات واملستجدات ،وأوجه النقص والقصور التي تعتري تشريعنا الوطني ،والذي هو في حاجة ماسة إلى التحيين والتعديل في كثير من أحكامه حتى يتماش ى مع االتجاهات الحديثة للسياسة الجنائية. ومن جهة ثانية فإن موضوع بحثنا هذا يحتل أهمية كبيرة في املمارسة القضائية كونه ذو صلة بالواقع املعاش ،ذلك أنه يهدف إلى البحث عن وسائل بديلة عن اتباع إجراءات الدعوى العمومية 1. وهو األمر الذي مهد لظهور علم الضحية . Victimologie7.
(13) ً لتخفيف العبء على كاهل جهاز القضاء الذي أصبح مثقال بعدد كبير من القضايا ،وبالتالي فإن القضاء الجزائي يكون في حاجة ماسة ألن یتعرف على هذه البدائل ،ألنها تعد أفضل وسیلة تمكنه من حسم أكبر قدر ممكن من الدعاوى العمومية الكثيرة املعروضة أمامه. أهداف البحث: يهدف البحث إلى دراسة الصور املختلفة لبدائل إجراءات الدعوى العمومية في تشريعنا الوطني وبيان حاالت وكيفيات تطبيقها ودور أطراف الدعوى العمومية في ذلك وكذا معرفة مدى فعاليتها في الحد من عدد القضايا الجزائية. كما يهدف هذا البحث إلى الوقوف على أحدث املستجدات والتطورات الواقعة على اإلجراءات الجنائية التقليدية ،ومعرفة مدى مواكبة املشرع الجزائري لها مقارنة بالتشريعات األخرى. وأخيرا يهدف هذا البحث إلى معرفة مدى إمكانية تفعیل وتطوير البدائل املعمول بها ً حاليا، وكذا اقتراح أرضية تفكير إلدخال بدائل جديدة أخرى في تشريعنا الوطني. أسباب اختياراملوضوع: في الواقع أن الذي دعانا الى دراسة موضوع بدائل إجراءات الدعوى العمومية هو التطورات التشريعية نحو إقرار هذه البدائل في العديد من التشريعات املقارنة وخاصة تشريعنا الوطني ،وكذا ما تمثله من تطورات على اإلجراءات الجنائية التقليدية ،باإلضافة إلى صلتها بالواقع املعاش واملمارسة القضائية. الدراسات السابقة: سبق دراسة أجزاء أو فصول من موضوع بحثنا هذا في العديد من أطروحات الدكتوراه تمت اإلشارة إليها في قائمة املراجع ،وأهم عناوين هذه الدراسات هي: أطروحة دكتوراه مقدمة من الباحث محمد حكيم حسين الحكيم تحت عنوان :النظرية العامةللصلح وتطبيقاتها في املواد الجنائية ،دراسة مقارنة.. 8.
(14) أطروحة دكتوراه مقدمة من الباحث أحمد محمد براك تحت عنوان :العقوبة الرضائية فيالشريعة اإلسالمية واألنظمة الجنائية املعاصرة ،دراسة مقارنة. أطروحة دكتوراه مقدمة من الباحث أسامة حسنين عبيد تحت عنوان :الصلح في قانوناإلجراءات الجنائية ،ماهيته والنظم املرتبطة به. أطروحة دكتوراه مقدمة من الباحث رامي متولي عبد الوهاب إبراهيم القاض ي تحت عنوان:الوساطة كبديل عن الدعوى الجنائية. أطروحة دكتوراه مقدمة من الباحث Jean-Baptiste PERRIERتحت عنوان :املصالحة في املوادالجزائية " ." la transaction en matière pénale أطروحة دكتوراه مقدمة من الباحثة Sarah-Marie CABON :تحت عنوان :التفاوض في املوادالجزائية " ." la négociation en matière pénale والجديد في دراستنا هذه باملقارنة مع الدراسات السابقة أنها تتناول بالتفصيل جميع بدائل إجراءات الدعوى العمومية وليس البعض منها فقط وذلك على ضوء القانون الجزائري واملمارسة القضائية في الجزائر. صعوبات البحث: واجهتنا أثناء إعداد هذه الدراسة صعوبات عدة أهمها عدم توفر اإلحصائيات الرسمية من وزارة العدل بغية تدعيم هذا البحث ،وهو ما دفعنا لالستدالل بإحصائيات من القضاء الفرنس ي وكذا إحصائيات محلية من مفتشية أقسام الجمارك ببرج بوعريريج ومن اللجنة املحلية للمصالحة في جرائم الصرف بسطيف ،باإلضافة إلى ذلك لجأنا إلى دراسة حالة إحدى محاكم الوطن. إشكالية البحث: لقد جاء في عرض أسباب األمر رقم 02 - 15املؤرخ في 23جويلية 2015املعدل واملتمم لقانون اإلجراءات الجزائية أن من أهم ما أبرزته املعاينة والتقييم الشامل للقضاء الجزائي هو الحجم املتزايد للقضايا والجهود ،في بعض األحيان تعوق الجهود املبذولة من القضاء لتحسين مستوى 9.
(15) األداء ،وللتكفل بهذا املشكل يأتي هذا النص في إطار إصالح عميق وشامل لوضع آليات جديدة تضمن رد فعل مالئم ومتناسب مع الجرائم قليلة الخطورة التي وصلت نسبتها إلى % 80على مستوى الجهات القضائية من املجموع العام للجرائم التي تعالجها املحاكم سنويا.1 ا وعلى ضوء ذلك يتعين التساؤل حول ما إذا كان يمكن لكل هذه البدائل أن تجد مكانا لها في املمارسة القضائية وأن تحد من الزيادة الهائلة في أعداد القضايا الجزائية. وتندرج تحت هذه اإلشكالية عدة أسئلة فرعية وأهمها: ما مدى اعتماد املشرع الجزائري على بدائل إجراءات الدعوى العمومية مقارنة بالتشريعاتاألخرى ،وما مدى مواكبته للمستجدات والتطورات الواقعة على اإلجراءات الجنائية التقليدية؟ هل تؤسس بدائل إجراءات الدعوى العمومية لقضاء جزائي بديل عن القضاء الجزائي التقليديأم هي مكمل له؟ ً هل تعد بدائل إجراءات الدعوى العمومية شكال من أشكال خصخصة الدعوى العمومية؟ وهلهي مؤشر على تغير مسار اإلجراءات الجزائية من النظام التنقيبي إلى النظام االتهامي؟ ً تصادما مع املبادئ العامة للمحاكمات الجزائية أال تشكل بدائل إجراءات الدعوى العموميةوأهمها مبادئ الفصل بين الوظائف القضائية ،املساواة أمام القانون ،قضائية العقوبة ،العلنية، الوجاهية ،الشفوية ،حقوق الدفاع ،خاصية عمومية الدعوى العمومية وعدم قابليتها للتنازل أو التفاوض. منهج البحث: سیتم اعتماد املنهج الوصفي التحلیلي ،وذلك ً وصفا ملضامين هذه الدراسة وما تحمله من ً موضوعات علمیة بما يساعد على فهمها وتحلیال ملوضوعها من مختلف جوانبه ،وكافة أبعاده بهدف ً توضيح املالمح والجوانب املختلفة للموضوع وصوال إلى الحلول املناسبة.. 1. املجلس الشعبي الوطني ،الجريدة الرسمية للمناقشات ،السنة الرابعة ،رقم 15 ،194أكتوبر سنة ،2015ص .1210.
(16) وإثراء للموضوع سنستعين باملنهج املقارن كلما كان لذلك محل من خالل عقد مقارنة للوضع في تشريعنا وما يقابله في تشريعات أجنبية تشابهه أو التي استمد منها بعض أحكامه وكذا تلك التي ً نجاحا في هذا املجال ،فيتم االستعانة بما توصلت إليه من حلول تتواءم خاضت تجارب وأحرزت وقيم مجتمعنا. باإلضافة إلى ذلك سنستعين ً أيضا باملنهج اإلحصائي وذلك بإيراد اإلحصائيات التي تعكس وتعبر عن موضوع بحثنا في التشريعات املقارنة وفي تشريعنا الوطني ،كما أنه وفي ظل عدم توفر اإلحصائيات الرسمية من وزارة العدل فقد لجأنا إلى دراسة حالة إحدى محاكم التراب الوطني ذات نشاط قضائي متوسط قصد الوصول إلى تعميمات تعكس ً واقعا ً فعليا ملوضوع بحثنا. خطة البحث: لقد اقتض ى منا موضوع البحث وإشكاليته ،تقسيم الدراسة إلى بابين معتمدين في ذلك على جوهر هذه البدائل والذي هو عنصر الرضائية ،وهي اللبنة األساس تضاف إليها في حاالت أخرى عنصر آخر وهو املالءمة ،بحيث قسمنا الدراسة إلى بابين: في الباب األول :نتناول بدائل إجراءات الدعوى العمومية التي تقوم على الرضائية فقط والتي ً هي نظامي التنازل عن الشكوى واملصالحة الجزائية ،بحيث خصصنا فصال لكل منهما. وفي الباب الثاني :نتناول بدائل إجراءات الدعوى العمومية التي تقوم على الرضائية واملالءمة ً والتي هي نظامي الوساطة الجزائية واألمر الجزائي ،1بحيث خصصنا ً أيضا فصال لكل منهما. وقد قسمنا كل فصل من فصول هذه الدراسة إلى مبحثين نتناول في األول ماهية كل بديل وفي الثاني نظامه القانوني. لننهي الرسالة بخاتمة تتضمن خالصة ما توصلنا إليه وكذا االقتراحات التي نوص ي بها. - 1هناك عدة تقسيمات لبدائل إجراءات الدعوى العمومية ،فهناك من يقسمها إلى بدائل تحريك الدعوى العمومية ،وهي األنظمة التي يمكن مباشرتها قبل تحريك الدعوى العمومية كالوساطة الجزائية ،وبدائل إنهاء أو االستمرار في الدعوى العمومية ،والتي يتم مباشرتها بعد تحريك الدعوى العمومية كاملصالحة في الجرائم االقتصادية والتنازل عن الشكوى ،بينما يذهب آخرون إلى تقسيمها إلى بدائل عقابية وأخرى ً تقسيما يعتمد على جوهرها وهو الرضائية واملالءمة ،أي بدائل تقوم على الرضائية فقط والتي هي نظامي إجرائية ،إال أننا نرى تقسيمها التنازل عن الشكوى واملصالحة الجزائية وبدائل تقوم على الرضائية واملالءمة والتي هي الوساطة الجزائية واألمر الجزائي. 11.
(17) الباب األول.
(18) الباب األول بدائل إجراءات الدعوى العمومية التي تقوم على الرضائية فقط1. منحت بعض التشريعات -ومنها املشرع الجزائري -لألفراد الحق في وضع حد للدعوى العمومية في بعض الجرائم املاسة بهم أو املرتكبة من قبلهم ،ولم تشترط سوى اتجاه إرادتهم إلى إحداث هذا األثر ،دون أن تمنح الجهات القضائية أي سلطة تقديرية تجاه ذلك ،ما دام القانون قد ّ نص عليها وأجازها ،فجعلت من هذه األنظمة قائمة على الرضائية فقط. والرضائية في هذا املقام تعني إحالل بعض اإلجراءات البديلة محل إجراءات الدعوى العمومية أو إجراء تعديالت على الدعوى العمومية واالعتراف بإرادة أطراف الدعوى العمومية في تحديد مصيرها باالستمرار فيها أو بانقضائها. والرضائية مفهوم دخيل على الحقل الجنائي الذي ّ ظل لفترة طويلة ال يعترف إلرادة األفراد بأي دور في إدارة الدعوى العمومية ألنها متصلة بالنظام العام ،إال أنه ومع التطور الذي وصل إليه الفكر الجنائي فيما يتعلق بمضمون سلطة الدولة في العقاب والتعاصر بين بدائل العقوبة وبدائل الدعوى العمومية انعكس ذلك على طبيعة الدعوى العمومية من خالل تبسيط إجراءاتها واالعتراف بالرضائية في نطاقها. وقد ّ عرفت الرضائية في نطاق الدعوى العمومية بأنها" :االعتراف بإرادة أطراف الدعوى الجنائية في تحديد مصير هذه الدعوى باالستمرار أو باالنقضاء".2 وإذا ما بحثنا عن تطبيقات الرضائية املطلقة في نطاق الدعوى العمومية في القانون الجزائري أين يتم إحالل بعض اإلجراءات البديلة محل إجراءات الدعوى العمومية ،نجد لها نموذجين وهما نظام التنازل عن الشكوى ونظام املصالحة الجزائية ،أين يكون إنهاء الدعوى العمومية بإجراءات ً بديلة عن إجراءاتها التقليدية موقوفا أو يخضع ملطلق إرادة أطراف الدعوى العمومية ،وهذا ما سنتناوله في هذا الباب من الرسالة. - 1ونعني بالرضائية هنا في مجال قانون اإلجراءات الجزائية وليس من الناحية املوضوعية. - 2محمود جالل طه ،أصول التجريم والعقاب في السياسة املعاصرة ،دراسة في استراتيجيات استخدام الجزاء الجنائي وتأصيل ظاهرتي الحد من التجريم والعقاب ،رسالة دكتوراه منشورة ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،2005 ،ص .393 13.
(19) الفصل األول التنازل عن الشكوى مع قيام الثورة الفرنسية وما تضمنته من مناداة بالحرية واألخوة واملساواة وحقوق اإلنسان بدأ التحول نحو معاملة أفضل للمتهم على حساب املجني عليه ،والذي أصبح ً بعيدا عن الدعوى العمومية وليس له بها أي حقوق ،وبالتالي ال يجوز له التنازل عنها أو املصالحة بشأنها ،إال أنه وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت تظهر اتجاهات حديثة في السياسة الجنائية ،وارتفعت ً أصوات كثيرة تدعو إلى كفالة حقوق املجني عليه وضرورة إعطائه دو ًرا فعاال في الدعوى العمومية، ً خصما فيها. واعتباره ولذلك تم االعتراف له بحق تقييد سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية عن ً وأيضا وقف سير هذه الدعوى وإنهائها في أي وقت إلى غاية صدور بعض الجرائم التي تتصل به، ً حكم بات فيها إذا رأى أن مصلحته كمجني عليه قد تتعارض والسير فيها ،وهذا إعماال لفكرة الشكوى والتنازل عنها. والتنازل عن الشكوى يعد في املجال اإلجرائي أحد بدائل إجراءات الدعوى العمومية كونه يحقق أهداف السياسة الجنائية الحديثة التي تدعو إلى التوسع في نطاق الجرائم التي يجوز التصالح فيها بين املجني عليه والجاني ،وعلى هذا النحو فإن املشرع يمنح املجني عليه كل اإلمكانيات للتصالح مع الجاني ومن ثمة التنازل عن شكواه ،1ففلسفة نظام الشكوى والتنازل عنها تقوم على تقیید حریة النیابة العامة في تحریك الدعوى العمومية أو االستمرار فيها ،مما یترك لطرفي النزاع ً وبمشاركة املجتمع مساحة لتمكين الجاني من إرضاء املجني علیه وتعويضه ً معنويا ،وهو ما ماديا أو قد یدفعه إلى التنازل عنها ،و بالتالي انقضاء الدعوى العمومية بصورة رضائیة. ولدراسة نظام التنازل عن الشكوى كأحد بدائل إجراءات الدعوى العمومية في القانون الجزائري فإننا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين ،نتناول في األول ماهيته ،أي تناول هذا النظام من جانبه النظري أو املفاهيمي وفي الثاني نظامه القانوني. - 1أحمد فتحي سرور ،بدائل الدعوى الجنائية ،التقارير املقدمة من أعضاء الجمعية املصرية للقانون الجنائي إلى املؤتمر الدولي الثالث عشر لقانون العقوبات (القاهرة من 1إلى 7أكتوبر سنة ،)1984مطبعة جامعة القاهرة ،1984 ،ص.11 14.
(20) املبحث األول ماهية التنازل عن الشكوى تتفق خطة القوانين التي أخذت بنظام جرائم الشكوى على منح املجني عليه الذي تقدم بالشكوى الحق في التنازل عنها بإرادته املنفردة في أي وقت إلى غاية أن يصدر في الدعوى حكم نهائي، ويعد التنازل الصادر منه في هذه الحالة أحد األسباب الخاصة التي تنقض ي بها الدعوى العمومية، سببا إر ً وفي نفس الوقت ً اديا يعود إلى إرادته املنفردة ،بحيث يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية دون تعليق هذا األثر على قبول املتهم. ولبيان ماهية التنازل عن الشكوى فقد قسمنا هذا املبحث إلى مطلبين ،نتناول في األول مفهومه وفي الثاني طبيعته القانونية. املطلب األول مفهوم التنازل عن الشكوى لبيان مفهوم التنازل فإن ذلك يقتض ي بداية التطرق إلى تعريفه وبيان العلة والحكمة التي ش ّرع من أجلها ،ثم بيان أطرافه وأ ً خيرا تمييزه عن باقي األنظمة املشابه له. الفرع األول تعريف التنازل عن الشكوى ومبرراته ً وسوف نتناول أوال تعريفه ثم نتولى بيان مبرراته والحكمة من إقراره. ا أوًل :تعريف التنازل عن الشكوى لم تتضمن أي من التشريعات التي نصت على حق املجني عليه في التنازل عن شكواه على تعريف محدد له ،وإنما بينت األحكام الخاصة به ورتبت على تحققه انقضاء الدعوى العمومية فقط.. 15.
(21) أما على صعيد الفقه ،فقد تعددت التعاريف التي أوردها الفقهاء لتعريف التنازل عن الشكوى وتحديد معناه ،ومن ذلك تعريفه بأنه" :عبارة عن تصرف قانوني صادر من جانب واحد يعبر فيه صاحبه عن إرادته في أال تتخذ هذه اإلجراءات ،أو وقف األثر القانوني لشكواه ،أي وقف السير في إجراءات الدعوى" ،1أو هو" :عمل قانوني يصدر من املجني عليه يتضمن التعبير عن إرادته في عدم السير في إجراءات الدعوى" ،2كما ّ عرفه البعض اآلخر بأنه" :عبارة عن تصرف قانوني صادر عن إرادة املجني عليه ،يتم بمقتضاه التعبير عن نيته الصريحة في وقف سير إجراءات املتابعة في مواجهة املتهم ،وذلك قبل الفصل ً نهائيا وبحكم بات في الدعوى العمومية" ،3كما ّ عرفه األستاذ محمود نجيب حسني بأنه" :تعبير املجني عليه عن إرادته في أال تتخذ اإلجراءات الجنائية أو أال تستمر".4 ومن جانبنا فإننا نعرف التنازل عن الشكوى بأنه" :تصرف قانوني صادر عن املجني عليه بوصفه صاحب الحق في الشكوى -يعبر من خًلله عن إرادته في وقف السير في إجراءاتالدعوى العمومية التي تم تحريكها بناء على شكواه بصدد إحدى الجرائم التي يتطلب القانون لتحريك الدعوى العمومية بشأنها شكوى من املجني عليه أو يجيز صفحه بشأنها ،وذلك قبل الفصل فيها بحكم بات ويترتب عليه انقضاء الدعوى العمومية". فهذا التعريف في نظرنا يحتوي على جميع العناصر األساسية للتنازل عن الشكوى وهي كاآلتي: أنه تصرف قانوني. أنه صادر عن شخص محدد وهو املجني عليه بوصفه صاحب الحق في الشكوى. أنه يجب أن يكون صاد ًرا قبل صدور حكم بات في الدعوى العمومية. أن موضوعه ومضمونه هو التعبير عن إرادة املجني عليه في وقف السير في إجراءات الدعوىالعمومية ،فهو بديل لهذه اإلجراءات التقليدية. - 1حسنين إبراهيم صالح عبيد ،شكوى املجني عليه -تاريخها ،طبيعتها ،أحكامها ( -دراسة مقارنة) ،الطبعة األولى ،دار النهضة العربية، القاهرة ،مصر ،1975 ،ص .111 - 2إدوار غالي الذهبي ،اإلجراءات الجنائية في التشريع املصري ،الطبعة الثالثة ،مكتبة غريب للنشر ،الفجالة ،مصر ،1990 ،ص .97 - 3عبد الرحمان الدراجي خلفي ،الحق في الشكوى كقيد على املتابعة الجزائية (دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة) ،الطبعة األولى ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،2012 ،ص ص .240-239 - 4محمود نجيب حسني ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1988 ،ص .130 16.
(22) أنه يجب أن يتعلق بإحدى الجرائم التي يتطلب القانون لتحريك الدعوى العمومية بشأنها شكوىمن املجني عليه أو يجيز صفحه بشأنها ،وهذا ما يميزه عن باقي األنظمة األخرى كترك الدعوى املدنية أو التنازل عنها. أن أثره القانوني هو انقضاء الدعوى العمومية ،فهو من األسباب الخاصة النقضاء الدعوىالعمومية. ا ثانيا :مبررات التنازل عن الشكوى يجمع غالبية الفقه 1على أن االعتبارات التي ّ قيد بها املشرع حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية على شكوى املجني عليه هي ذات االعتبارات التي دعت إلى النص على حق املجني عليه في التنازل عن الشكوى ،فاملجني عليه هو األجدر على تقدير مدى مالئمة تحريك الدعوى العمومية واتخاذ اإلجراءات الجزائية ضد املتهم وهو ً أيضا األجدر على تقدير مدى مالئمة االستمرار. في الدعوى أو إنهائها بتنا له عن شكواه ،إذا ما ّ قدر أثناء السير فيها أن مصلحته تتحقق بتفادي ز النتائج املترتبة على صدور حكم نهائي في الدعوى يمس مصالحه الخاصة ومصالح أسرته أكثر مما تمس املصلحة العامة للمجتمع.. فالدولة ال تضار من تعليق اقتضاء حقها في العقاب على شكوى املجني عليه أو التنازل عنها، على اعتبار أنها تتعلق بجرائم يتعذر فيها على الدولة ذاتها أن تحدد مالءمة السعي إلى اقتضاء حقها في معاقبة مرتكب الجريمة في كل حالة على حدا ،وبالتالي ال مناص للدولة من أن تترك زمام هذه املالئمة للمجني عليه وحده فهو أجدر منها على تقييمها.2 ويمكن تقسيم هذه االعتبارات إلى أربعة: - 1عزت الدسوقي ،قيود الدعوى الجنائية بين النظرية والتطبيق ،رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،1986 ،ص ،272حسن صادق املرصفاوي ،في أصول اإلجراءات الجنائية ،دون طبعة ،منشأة املعارف ،اإلسكندرية ،1998 ،ص ص ،100 - 99أسامة عبد هللا قايد ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية ،دون طبعة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،2007 ،ص ،287فوزية عبد الستار ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية ،دون طبعة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1996 ،ص ،94محمد زكي أبو عامر، اإلجراءات الجنائية ،الطبعة السادسة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،مصر ،2005 ،ص .351 - 2فاطمة الزهراء فيرم ،بدائل الدعوى الجنائية ودورها في الحد من أزمة العدالة الجنائية ،مجلة الحقوق واالعلم اإلنسانية ،جامعة زيان عاشور الجلفة ،املجلد العاشر ،ع 15 ،3سبتمبر ،2017ص .106 17.
(23) - 1أن الحق املعتدى عليه في بعض الجرائم يتصل بعالقات عائلية ،وبالتالي فإن املجني عليه هو أفضل من يقدر خطورة هذا االعتداء وجدارته بأن تتخذ إجراءات الدعوى العمومية في شأنه واستمرارها من عدمه ،ومثال ذلك جريمة الزنا. - 2الصالت العائلية بين الجاني واملجني عليه ،حتى وإن كان الحق املعتدى عليه غير ذي طابع عائلي، ومثال ذلك السرقة بين األقارب والحواش ي واألصهار إلى غاية الدرجة الرابعة ،فيخش ى املشرع أن يكون إضرار اإلجراءات بهذه الصالت وباملجتمع ً تبعا لذلك أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحققها، فيترك للمجني عليه تقدير ذلك. - 3حماية شعور املجني عليه الذي انتهك باالعتداء على شرفه واعتباره ومثال ذلك جرائم القذف والسب ،فيترك له تقدير مالءمتها.1 - 4أن الضرر الناجم عن الجريمة تافه أو يسير وال يتضمن إهدا ًرا ً كبيرا إلحدى املصالح االجتماعية الهامة املحمية بنصوص قانون العقوبات ،وبالتالي فإن حق املجتمع في العقاب يضحى به إذا لم ً تحقيقا ملصلحة شخصية خاصة تفوق املصلحة العامة يطالب املجني عليه باقتضائه ،ألن في ذلك في عقاب الجاني.2 الفرع الثاني أطراف نظام التنازل عن الشكوى وهما صاحب حق التنازل عن الشكوى والذي هو املجني عليه أو وكيله أو ممثله من جهة واملتهم من جهة أخرى ،وهذا ما سنتناوله فيما يلي. ا أوًل :صاحب حق التنازل عن الشكوى إن القاعدة التي تحكم التنازل عن الشكوى من حيث تحديد صاحب الحق فيه تتمثل في سريان جميع أحكام الشكوى على التنازل ،على اعتبار أن التنازل هو الوجه اآلخر للحق في الشكوى، - 1محمود نجيب حسني ،املرجع السابق ،ص ص .116- 115 - 2محمد صالح حسين أمين ،دور النيابة العامة في الدعوى العمومية في القانون املقارن ،رسالة لنيل درجة الدكتوراه في القانون ،كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،1980 ،ص .261 18.
(24) ولذلك فإن صاحبه هو صاحب الحق في تقديم الشكوى ،وهو املجني عليه ،1بحيث يمكنه أن يتنازل عن شكواه إذا أرى أن مصلحته قد تتعارض والسير في إجراءات الدعوى العمومية. ً ً ويشترط فيه -املجني عليه -أن يكون أهال للشكوى ليكون أهال للتنازل عنها ،وإال فإن هذا الحق ينتقل ملن يمثله ً قانونا سواء أكان وليه أم وصيه أم ّ القيم عليه ،كما يمكن له أن يوكل غيره في القيام بالتنازل نيابة عنه ،2وفيما يلي نعرض لكل واحد ممن تقدم وذلك على النحو اآلتي. أ -املجني عليه :يعد املجني عليه صاحب الحق األول في التنازل عن الشكوى ،ويتميز حقه في التنازل عن الشكوى بكونه حق شخص ي مثله مثل الحق في الشكوى ال يثبت إال له وحده وال ينتقل إلى الورثة. واملجني عليه هو" :الشخص الذي قصد بارتكاب الجريمة اإلضرار به أ ً ساسا وإن لم يصبه ضرر أو تعدى الضرر إلى غيره من األفراد" ،3كما ّ عرفته محكمة النقض املصرية بقولها" :املجني عليه هو الذي يقع عليه الفعل أو يتناوله الترك املؤثم ً ً ً ً معنويا، طبيعيا أو شخصا قانونا ،سواء كان ً بمعنى أن يكون هذا الشخص نفسه محال للحماية القانونية التي يهدف إليها املشرع".4 وبالتالي فإن املجني عليه هو الشخص الطبيعي أو املعنوي الذي وقع االعتداء بالجريمة على إحدى مصالحه املحمية جز ً ائيا ،سواء أصابته الجريمة بضرر أم لم تصبه وعرضته ملجرد الخطر، ً ومن ثمة ال يجوز لغيره أن يتنازل عن الشكوى ،فاملضرور من الجريمة أو املدعي املدني مثال ال يحق له التنازل عن الشكوى إذا لم يكن هو املجني عليه في الوقت ذاته ،ألنه في األصل ال يكون له الحق في تقديم الشكوى وبالتبعية ال يكون له الحق في التنازل عنها.. - 1أسامة أحمد محمد النعيمي ،دور املجني عليه في الدعوى الجزائية ،دراسة مقارنة ،دون طبعة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،مصر، ،2013ص .318 - 2شوقي إبراهيم عبد الكريم ،إيقاف سير الدعوى الجنائية وإنهاؤها بدون حكم في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي ،دراسة مقارنة ،الطبعة األولى ،مكتبة الوفاء القانونية ،اإلسكندرية ،مصر ،2013 ،ص .578 - 3حسن صادق املرصفاوي ،دعوى التعويض أمام املحاكم الجنائية ،تقرير مقدم ملؤتمر الثالث للجمعية املصرية للقانون الجنائي،1989 ، دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،1990 ،ص .288 - 4نقض مصري بتاريخ ،1960/02/02مجموعة أحكام محكمة النقض ،س ،11ع ،1ص ،142مشار إليه لدى عبد اللطيف عبد العال، مفهوم املجني عليه في الدعوى الجنائية ،دون طبعة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،2006 ،ص .26 19.
(25) ً شخصا آخر غير املجني عليه ،هذا األخير ال ذلك أنه يمكن أن يكون املضرور من الجريمة يشترط فيه إصابته بضرر فعلي ،بل يكفي أن تكون مصلحته قد تعرضت ملثل هذا الضرر ولو لم يكن قد تحقق بالفعل ومثال ذلك جرائم الشروع ،ففي هذه الحالة يكون لدينا مجني عليه إال أنه لم يصبه ضرر ،كما أنه وفي جنحة القتل الخطأ فإن املجني عليه يكون قد توفي ،في حين أن ذوي حقوقه يكونون هم املضرورون من الجريمة ،كما يمكن أن يكون املجني عليه هو املضرور وهذا في أغلب الحاالت.1 فاملناط في تحديد صفة املجني عليه هو كونه صاحب الحق املشمول بحماية القاعدة الجنائية ،واملناط في تحديد صفة املضرور هو الضرر الذي أصابه.2 ً جنائيا ،والتي يتحدد بموجبها املجني عليه فالتفرقة بينهما تكون على أساس املصلحة املحمية ً جنائيا والتي أضرت بها الجريمة أو عرضتها للخطر في حين باعتباره صاحب هذه املصلحة املحمية ً تثبت لغيره من أصحاب املصالح األخرى صفة املضرور ،ففي جنحة خيانة األمانة مثال ،إذا كان املودع ليس هو مالك الش يء ،فاملجني عليه هو الشخص املودع وليس مالك الش يء ،هذا األخير الذي يعد هو املضرور ،فاملصلحة املحمية جن ً ائيا في جنحة خيانة األمانة هي الثقة في املعامالت وليست امللكية ،فالعبرة باملصلحة املحمية بنص التجريم ،فإذا كانت املصلحة التي أصابها االعتداء ً مجنيا عليه ،وهذا بخالف ما إذا كانت هذه محمية بنص تجريمي اعتبر صاحب هذه املصلحة املصلحة محمية بنص آخر غير نص التجريم ،فيعتبر صاحبها مضرو ًرا من الجريمة.3 ً ويترتب على التفرقة السابقة أنه ال يجوز التنازل إال للمجني عليه ،فال يقبل من ورثته مثال حتى ولو تضرروا من الجريمة ،في حالة ما إذا كان قد توفي بعد تقديمه لشكواه وقبل أن يتنازل عنها. وإذا تعدد املجني عليهم وكان كل منهم قد تقدم بشكوى فإن التنازل عن الشكوى ال يترتب عنه انقضاء الدعوى العمومية إال إذا تقدم جميعهم بالتنازل ،ذلك أن التنازل املقدم من أحدهم دون - 1عبد الرحمان الدراجي خلفي ،املرجع السابق ،ص ص .77- 76 - 2سماتي الطيب ،حماية حقوق الضحية خالل الدعوى الجزائية في التشريع الجزائري ،مذكرة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،السنة الجامعية ،2007 /2006ص .11 - 3داليا قدري أحمد عبد العزيز ،دور املجني عليه في الظاهرة اإلجرامية وحقوقه في التشريع الجنائي املقارن ،دون طبعة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ،مصر ،2013 ،ص ص .100- 99 20.
(26) الباقي ال يترتب عنه انقضاء الدعوى العمومية ،ونفس الحكم يطبق إذا توفي أحدهم فقط حتى لو صدر التنازل عن جميع املجني عليهم الباقين على قيد الحياة ،1كما أنه ال عبرة بتنازل املجني عليهم ً الذين امتنعوا عن تقديم الشكوى ولم يكن لهم دخل في تحريك الدعوى العمومية أصال ،2فيأخذ هنا بتنازل املجني عليه الذي تقدم بالشكوى رغم تعدد املجني عليهم والذين لم يتقدموا بشكوى. أما فيما يتعلق بتنازل من انضم إلى الدعوى العمومية ولم يكن ً سببا في تحريكها ،فهناك رأي يعتبره من ضمن من قدموا الشكوى ،وبالتالي يشترط تنازله هو ً أيضا حتى تنقض ي الدعوى العمومية ،في حين يرى رأي آخر -وهو الرأي الراجح -عدم اشتراط تنازله على أساس أنه لم يكن ً سببا في تحريك الدعوى العمومية ،وإنما هو طرف منضم ال يثبت له الحق إال في التعويض املدني.3 وبالنسبة ملن يشترط فيهم القانون صفة معينة أثناء تقديم الشكوى ،مثل صفة الزوجية في جنحة الزنا ،فيرى جانب من الفقه 4أنه ال يشترط بقاء هذه الصفة املطلوبة أثناء تقديم الشكوى إلى ً طالقا ً بائنا أن تتنازل عن شكواها ويرتب غاية التنازل عنها ،وبالتالي فإنه يجوز للزوجة املطلقة التنازل أثره املتمثل في انقضاء الدعوى العمومية ،ويؤسس أصحاب هذا الرأي موقفهم على حجتين ،أولهما ارتباط الحق في التنازل بمن يثبت له الحق في الشكوى ،وثانيهما أن بعض التشريعات لم تشترط صفة خاصة في التنازل عن الشكوى مثل ما نصت عليه املادة 13من ق.إ.م ،وبالتالي فإن القول بخالف ذلك سوف يؤدي إلى حرمان املجني عليه من الصفح مخالفة ملصلحة العائلة ،وهو األمر الذي قصده املشرع عندما ّ خول لألوالد حق التنازل بعد وفاة مورثهم الشاكي.5. - 1علي عبد القادر القهوجي ،شرح قانون أصول املحاكمات الجزائية ،الكتاب األول( ،دعوى الحق العام -الدعوى املدنية) ،دون طبعة، منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ،لبنان ،2009 ،ص .225 - 2عبد الرحمان الدراجي خلفي ،الحق في الشكوى كقيد على املتابعة الجزائية ،املرجع السابق ،ص .252 - 3عبد الرحمان خلفي ،الحق في الشكوى في التشريع الجزائري واملقارن ،مجلة االجتهاد القضائي ،مخبر أثر االجتهاد القضائي على حركة التشريع ،جامعة محمد خيضر ،بسكرة ،ع ،9مارس ،2013ص .19 - 4حمدي رجب عطية ،دور املجني عليه في إنهاء الدعوى الجنائية ،رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراه في الحقوق ،كلية الحقوق، جامعة القاهرة ،1990 ،ص ،109محمد عبد الحميد مكي ،التنازل عن الشكوى كسبب خاص النقضاء الدعوى الجنائية ،دون طبعة ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،مصر ،2000- 1999 ،ص.79 - 5عبد الرحمان الدراجي خلفي ،الحق في الشكوى في التشريع الجزائري واملقارن ،املرجع نفسه ،ص .20 21.
(27) ويذهب رأي آخر 1إلى ضرورة حصول التنازل من شخص يحمل الصفة التي يشترطها القانون أثناء تقديم الشكوى ،ففي جريمة الزنا يشترط توافر صفة الزوجية أثناء التنازل عن الشكوى ،وإن تم الطالق فيجوز للشاكي التنازل عن الشكوى فقط في حالة ما إذا كان الطالق ر ً جعيا ،أما إذا كان الطالق ً بائنا فال يجوز له التنازل ،على اعتبار أن نص املادة 274من قانون العقوبات املصري تفترض قيام الزوجية عند التنازل عن الشكوى ،وهو الحكم الذي ينطبق على جميع الجرائم األخرى املقيدة بشكوى ألن النص الوارد في جريمة الزنا جاء على سبيل املثال. أما بالنسبة للمشرع الجزائري ،فتنص الفقرة األخيرة من املادة 339من ق.ع على أن الصفح يكون من طرف الزوج املضرور ،وهو ما يفيد أن التنازل ال ينتج أثره في الصفح عن الزوج الزاني إال إذا كان املجني عليه ال زال ً زوجا ،فإذا انقضت رابطة الزوجية بالطالق فال يملك حق التنازل عن الشكوى ،2كما تنص أيضا الفقرة 4من املادة 330من ق.ع بأن ال تتخذ إجراءات املتابعة في الحالتين 1و - 2أي في حالة جنحة ترك مقر األسرة وجنحة التخلي عن الزوجة -إال بناء على شكوى الزوج املتروك ،وهو ما يفيد أ ً يضا أن التنازل ال ينتج أثره في الصفح إال إذا كان املجني عليه املتروك ً زوجا. وهو ما أخذت به املحكمة العليا حينما قضت " :ال صفة للزوج بعد الطالق في رفع شكوى من أجل الزنا" ،3كما طبقت نفس املبدأ بخصوص الشكوى عن جنحة عدم دفع النفقة حينما قضت: "ال صفة وال مصلحة لألم الحاضنة في رفع دعوى عدم تسديد نفقة البنت بعد بلوغها سن الرشد".4 ً وهو الرأي الذي نرى أنه جدير بالتأييد ،إذ أنه من غير املعقول مثال في جنحة الزنا أن يشترط قيام العالقة الزوجية عند ارتكاب الواقعة وعند تقديم الشكوى وال يتم اشتراطها عند التنازل عن الشكوى ،باإلضافة إلى ذلك فإن العلة أو الغاية التي أراد املشرع تحقيقها من إجازة التنازل وهي - 1جندي عبد امللك ،املوسوعة الجنائية ،الجزء الرابع ،الطبعة األولى ،مكتبة العلم للجميع ،بيروت ،لبنان ،2005 /2004،ص 86و،93 إبراهيم حامد طنطاوي ،قيود حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ،الجزء األول (الشكوى) ،الطبعة األولى ،دون دار وبلد النشر، ،1994ص .117 - 2أحمد شوقي الشلقاني ،مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ،الجزء األول ،الطبعة الرابعة ،ديوان املطبوعات الجامعية، الجزائر ،2005 ،ص .46 - 3املحكمة العليا ،غ.ج.م ،قرار صادر بتاريخ 2003/ 01/ 08 :في امللف رقم ،249349املجلة القضائية ،ع ،2س ،2003ص .355 - 4املحكمة العليا ،غ.ج.م ،قرار صادر بتاريخ 2002 / 07 / 02 :في امللف رقم ،269321املجلة القضائية ،ع ،2س ،2003ص .367 22.
Documents relatifs
The critical periods of pregnancy, working conditions, domestic load, economic insecurity, and violence expose women to health risks that should systematically be incorporated
In a cross-sectional perspective, cog- nitive functioning (autobiographical memory, shifting capacities, dysfunctional attitudes, mindful attention awareness and rumination habits)
For upper body strength a significant difference was found between participants with back pain of any intensity, or severe back pain, and those with no com- plaints, (t=2.19, P=0.029
The Sugeno integral generalizes the weighted maximum by using the notion of capacity. In this respect, it is acknowledged as the qual- itative counterpart of the Choquet integral
[12], our modelling language K ENDRICK design consists of two parts: the first part pro- vides domain concepts adapted for mathematical modelling of epidemiological models as well
The Affnet method [16], conceived to predict normalizing ellipse shapes for single patches based on a 3-variable parametrization, was used with HardNet [20] (a CNN- based SIIM
In interaction with the model of somatoform disorders, this article proposes a review of functional neuroimaging studies in patients with subjective complaints and discusses possible
Exemple n°2 : Sur les hauts-plateaux à Madagascar, les écosystèmes herbacés sont dominés par ceux d’origine anthropiques récents; les SRAG sont plus anecdotiques. La