• Aucun résultat trouvé

الحق في حرية المعتقد و ممارسة الشعائر الدينية

N/A
N/A
Protected

Academic year: 2021

Partager "الحق في حرية المعتقد و ممارسة الشعائر الدينية"

Copied!
248
0
0

Texte intégral

(1)‫وزارة التعليـــم العالي والبحث العلمــي‬ ‫جـــامـــعــة وهـــــــران‬. ‫كـلــيـة الـحقـوق والعلوم السياسية‬. ‫الحق في حرية المعتقد وممارسة‬ ‫الشعائر الدينية‬ ‫مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام‬ ‫التخصص‪ :‬حقوق اإلنســـان‬. ‫إعداد الطالب‪:‬‬. ‫تحت إشـراف األستــاذ ‪:‬‬. ‫بلحاج مونيــر‬. ‫الدكتور‪ /‬فاصلة عبد اللطيف‬. ‫لجنة المناقشــــــــة ‪:‬‬ ‫رئيـسـا‬. ‫أ ‪ .‬بوسلطـــان محـــمــــد‬. ‫أستاذ التعليم العالي‬. ‫جامعة وهران‬. ‫أ ‪ .‬فاصلـــة عبد اللطـيف‬. ‫أستاذ محاضر ( أ )‬. ‫جامعة وهران‬. ‫مشرفـا‬. ‫أ ‪ .‬برابـــح عبد المجــــيد‬. ‫أستاذ محاضر ( أ )‬. ‫جامعة وهران‬. ‫مناقشا‬. ‫أ ‪ .‬بوسماحة نصر الدين‬. ‫أستاذ محاضر( أ )‬. ‫جامعة وهران‬. ‫مناقشا‬. ‫السنة الدراسية‪1021 / 1022 :‬‬.

(2) ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬. ‫(( ال إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ))‬. ‫صدق هللا العظيم‬ ‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪152‬‬.

(3) ‫أتقدم بإهداء عملي هذا لكل من ساهموا ‪ -‬من قريب أو بعيد ‪ -‬في إنجازه ‪،‬‬ ‫وأمدوني بيد األزر الجميل والعون الكريم ‪ ،‬لكل من حملوا هم الرسالة العلمية ‪،‬‬ ‫وشقوا بعقولهم وسواعدهم سبل البحث العلمي والمعرفة اإلنسانية ‪ ،‬وفي مقدمة كل‬ ‫هؤالء أساتذتي األفاضل الذين أكرموني بما أكرم هللا عليهم من ضياء العلم ونور‬ ‫البيان ‪ ،‬كما ال يفوتني اإلهداء و اإلشادة بأفراد أسرتي الكريمة من والدي‬ ‫العزيزين وإخوتي لما شكلوه من دعم مادي ومعنوي ‪ ،‬وكافة والزمالء والزميالت‬ ‫الذين رافقوني في درب التعلم ‪ .‬كما أهدي عملي إلى الجزائر وشعبها األبي والى‬ ‫كل أنصار الحرية أينما كانوا ‪ ،‬وأملي في هللا العلي العظيم أن يجعل من عملي‬ ‫هذا إضافة علمية تضاف إلى نفائس مكتباتنا الجامعية وزادا تتزود به األجيال‬ ‫الحاضرة واآلتية ‪ ،‬وان ال نؤاخذ عما قد يشوب جهدنا من نقص أو قصور ‪ ،‬فما‬ ‫هذا إال اجتهاد طالب علم في بحر عميق من بحور المعرفة التي ال حدود لها ‪ ،‬وال‬ ‫سقف يعلوها إال قدرة العليم الخبير‪.‬‬.

(4) ‫يصعب الشكر حينما يعظم الفضل وتكثر النعم ‪ ،‬وتزداد الصعوبة أكثر لما‬ ‫يتجلى صاحب هذا الفضل وسيد هذه النعم ‪ ،‬كيف ال وهو هللا الكريم األعظم ؟‬ ‫الذي أنعم علينا بنعمة العقل وفضل طلب العلم ‪ .‬ثم يأتي بعد ذلك شكر من جعلهم‬ ‫مدائن في العلم وأبراجا ‪ ،‬ورفعهم في القدر والدرجة ‪ ،‬أساتذتي الذين صدقوا ما‬ ‫عاهدوا هللا عليه ‪ ،‬ثم صدقوا معنا القول وأدوا فينا األمانة ‪ ،‬وأخص بالذكر أستاذنا‬ ‫المحترم ‪ :‬محمد بوسلطان ‪ ،‬الذي حظيت من كرمه العلمي واألدبي وبذله‬ ‫المتواصل الذي ال يصغر أمام كرم الثلة المصطفاة من الرجال الذين بخل الزمان‬ ‫أن يجود بمثلهم ‪ ،‬وكل الشكر والعرفان ألستاذي الفضيل وأخي ‪ :‬فاصلة عبد‬ ‫اللطيف لما خصني به من نصح قويم ٍورأي سديد ‪ ،‬وما قدمه من واجبات‬ ‫اإلشراف األمين الرشيد ‪ ،‬وسائر أساتذتي األكارم ‪ ،‬وكل المخلصين بجامعتنا‬ ‫الصادقين الجادين من أجل أن تبلغ جامعتنا أسما المنازل‬. ‫‪.‬‬.

(5) ‫المقـــدمــــة ‪:‬‬ ‫لطالما شكلت الحرية عبر مختلف العصور واألزمان قضية من أعقد قضايا المجتمع والفكر‬ ‫اإلنساني ‪ ،‬فعرفت جدليات فقهية وفلسفية وسجاالت سياسية ال حدود لها ‪ ،‬كما مثلت قيمة إنسانية‬ ‫واجتماعية كافحت وناضلت من أجلها الشعوب واألمم في مواجهة مختلف أشكال اإلستبداد وممارسات‬ ‫اإلقطاعية وسياسات التظالم اإلجتماعي ‪ .‬وإن الحرية وان تعددت مجاالت دراستها ‪ ،‬وتفرعت‬ ‫تخصصات البحث فيها بين السياسة والقانون واإلقتصاد واإلجتماع ‪ ،‬وكذلك الفلسفة والدين واألدب ‪،‬‬ ‫إال أن مفهومها ظل موضع جدل دائم نظرا لتنوع اإلديولوجيات ‪ ،‬وتعدد المرجعيات الفكرية والسياسية‬ ‫والدينية ‪ .‬ونظرا أيضا لطبيعة ديناميكية الصراع البشري ‪ ،‬وما استجد على مستوى التنظيمات‬ ‫اإلجتماعية وال سيما مع بروز مفهوم الدولة الحديثة وما يتصل بهذا المفهوم من مفاهيم أخرى كثيرا ما‬ ‫انقصت من نطاق الحرية من خالل توسيع السلطة وامتيازاتها ‪ ،‬والخضوع للقانون الذي يضع ضوابط‬ ‫يصعب حصرها لمرونتها كالنظام العام واآلداب العامة وغيرها ‪ ،‬وهذه الضوابط قابلة للزيادة والتشكل‬ ‫من جديد حسب الظروف المختلفة والمناخ السياسي العام الداخلي والدولي ‪.‬‬ ‫وليس مفهوم الحرية وحده ما أثار جدال مستعصيا‪ ،‬بل هناك جدليات أخرى حول الحرية في‬ ‫عمومها ‪ ،‬منها ما يتعلق بوجودها من عدمها ‪ ،‬وهذا كان مطروحا في أزمنة سابقة وفي مجاالت معينة‬ ‫أو ألشخاص محددين كالعبيد مثال ‪ ،‬أما اآلن اليوجد عاقل يلغي الحرية في إطارها العام ويقول‬ ‫بانعدامها الكلي ‪ .‬ثم يوجد جدل يتعلق بالحرية بين إطالقها ونسبيتها ‪ ،‬فإما جعلها غير محدودة أو‬ ‫وضع القيود و الضوابط لها ‪ .‬وفي نفس السياق تعرف الحرية اتساعا وتضييقا بين تسلط الحاكم وتمرد‬ ‫المحكوم ‪ ،‬أي بين قهر السلطة واستبدادها وبين تعسف أصحاب الحقوق وتمردهم ‪ ،‬وهذه اشكالية ال‬ ‫تزال تفرض نفسها حتى في وقتنا الحالي ‪.‬‬ ‫كل هذه الجدليات تجسدت في شكل مطالب متكررة كانت مدار كفاح إنساني طويل تغير أسلوبه‬ ‫وصياغته أحيانا ‪ ،‬لكن المضمون استقر وتواصل من جيل آلخر‪ .‬وهذه المطالب تتراوح ما بين‬ ‫اإلصالح الى حد التغيير الراديكالي ‪ .‬ولنا أن نستشهد بالثورة الفرنسية لسنة ‪ 9871‬والتي كانت ميالدا‬ ‫لعهد فرنسي جديد هو عهد الحرية والكرامة اإلنسانية والتخلص من الملكية المطلقة والسلطة المستبدة‬ ‫بكل أشكالها ‪ ،‬فهذا العهد أنار الطريق لشعوب أوروبا برمتها لتتبع مسيرة السعي من أجل ترسيخ‬ ‫الحرية ‪ .‬وال يزال إعالن حقوق اإلنسان والمواطن الفرنسي شاهدا بنصوصه وأحكامه على الطفرة‬ ‫‪1‬‬.

(6) ‫النوعية في مجال إقرار الحريات اإلنسانية ‪ ،‬اذ يعتبر من أهم المصادر األساسية في العصر الحديث‬ ‫لشرعة حقوق اإلنسان ‪ ،‬ثم الحقا اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر عن الجمعية العامة لهيئة‬ ‫األمم المتحدة بتاريخ ‪ 91‬ديسمبر سنة ‪ ،9197‬وكذلك المواثيق اإلقليمية المتعددة كاإلتفاقية األوربية‬ ‫لحقوق اإلنسان الصادرة سنة ‪ 9191‬والتي دخلت حيز النفاذ سنة ‪ 9191‬وغيرها ‪ ،‬فاألمثلة كثيرة في هذا‬ ‫المجال ‪ .‬وال شك أن النضاالت التي خاضتها الشعوب خاصة التي اكتوت بنيران الظلم واإلحتالل‬ ‫ساهمت أيما إسهام في ترسيخ مكانة الحرية ضمن أدبيات الفكر اإلنساني ‪ ،‬وال أدل مثال على ذلك من‬ ‫الثورة الجزائرية (‪ )9191-9199‬التي برهنت للعالم بأسره على بسالة شعب أبي وأصالة أمة لم ترض‬ ‫للحرية بديال ولم تسلك غير الكفاح هديا ودليال ‪ .‬وهذا الريب أكد على العالقة المتالزمة بين الحرية‬ ‫وحق الشعوب في تقرير م صيرها بشكل ال يقبل اإلنفصام أو التجزئة ‪ ،‬وعزز جسور التكامل والتفاعل‬ ‫بين مفهومي الحرية اإلنسانية والحقوق اإلنسانية ‪.‬‬ ‫هكذا أصبح اإلنسان هو الموضوع الرئيس لكل حرية وحق ‪ ،‬بل وهو المالك الشرعي واألصيل‬ ‫للحق في الحرية ‪ ،‬اإلنسان بوصفه أساس كل عملية تطوير وتقدم ‪ ،‬والذي كرمه هللا عن سائر‬ ‫المخلوقات ‪ ،‬حيث قال عز وجل‪(( :‬ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر))‪ ،1‬فبعث إليه‬ ‫األنبياء والرسل تباعا ‪ ،‬وأنزل عليه الرساالت والديانات السماوية إلخراجه من الظلمات إلى نور‬ ‫اإليمان والهداية المتوافقين مع العقل والفطرة البشرية التي لم تشبها أية شائبة ولم يعكر صفوها الجهل‬ ‫المتوارث‪ .‬فكل تلك الرساالت والديانات أكدت على كرامة الكائن اإلنساني وأقرت له حرية اإلختيار‬ ‫كأساس شرعي لقيام مسؤوليته عن أعماله وأخطائه‪ .‬فقد ذهبت الشريعة الغراء الى مستوى كبير في‬ ‫مجال الحريات لم تصل اليه األنظمة األخرى مطلقا ‪ .‬اذ جاء اإلسالم بمبادئ غاية في الدقة واإلحكام‬ ‫تحقق السعادة والمساواة في بناء المقاصد الشرعية ومحورها التوفيق بين حرية الفرد وحرية المجتمع‬ ‫الذي يعيش فيه الفرد ‪ ،‬لذا فالحرية في اإلسالم هي األصل ‪ ،‬وأنه اليجوز تقييدها إال للضرورة‬ ‫ولمصلحة المجتمع أي المصلحة العامة ‪ ،‬فإذا تعدت تلك الحدود أصبحت اعتداء على حرية اآلخرين ‪.‬‬ ‫ومن أقدس الحريات اإلنسانية التي تبنى على اإلختيار هي حرية الدين أو العقيدة المناسبة‬ ‫والمقنعة لكل شخص ‪ ،‬أوما يصطلح عليها قانونا بالحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ‪،‬‬ ‫إنها حرية فكرية ووجدانية‪ ..‬حرية ضميرية ‪ ،‬هي حرية شخصية وذاتية يستمد منها كل فرد طمأنينته‪.‬‬ ‫بل إنها أيضا حاجة ملحة لكل أمة ترغب في اإلستمرارية ‪ ،‬فمن خالل اختيار أفرادها لمعتقداتهم يتشكل‬ ‫لديهم إلتزام طبيعي لهذه المعتقدات التي تصبح بمثابة القانون األسما أوالمثل األعلى الذي يوحدهم ‪،‬‬ ‫‪ - 1‬سورة اإلسراء ‪ ،‬اآلية ‪81‬‬ ‫‪2‬‬.

(7) ‫فلقد استمدت جميع المجتمعات التي قامت حتى اآلن الى مثال عال قادر على اخضاع النفوس ‪ ،‬وهذه‬ ‫المجتمعات قد أضمحلت بعد أن عاد ذلك المثل األعلى ال يخضعها‪.1‬‬ ‫تعتبر حريـة المعتقد وممارسة الشعائر الدينية من أولويات دعوة األنبياء والرسل ‪ ،‬وكانت‬ ‫الهدف الرئيسي لكل نبي ورسول ‪ ،‬وأعلنها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم منذ بداية دعوته وشرعها‬ ‫في سنته بعد أن قررها القرآن الكريم في آيات كثيرة بقوله تعالى‪ (( :‬ال إكراه في الدين قد تبين الرشد‬ ‫من الغي )) ‪ .2‬وهللا عز وجل قد جعل اإلختالف سنة في الحياة ‪ ،‬فلو أراد أن يكون الناس كلهم أمة‬ ‫واحدة يتبعون نفس العقيدة لكان ذلك ‪ ،‬لكنه شاء أن يكون العقل والقناعة المبنية على اإلرادة هما‬ ‫الفيصل في هذه المسألة ‪ ،‬حتى أن الخالق عز وجل أكد لرسوله الكريم نهجه بعدم اإلكراه في الدين وأن‬ ‫تكون طاعته طوعية ‪ ،‬فقال في محكم تنزيله ‪ (( :‬ولو شاء ربك آلمن من في األرض كلهم جميعا‬ ‫أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين))‪ .3‬لكن بحياد اإلنسان عن منهاج ربه وعن الفطرة السليمة في‬ ‫كل عصر وفي أي مكان يحدث الشطط وتكثر المشقة ‪ ،‬وعلى هذا األساس تخبطت حرية المعتقد‬ ‫وممارسة الشعائر الدينية في غياهب األسر والفوضى عبر التاريخ وواجهت صعوبات جمة ‪ ،‬وسدوداً‬ ‫قبيحة ‪ ،‬وكانت محوراً لحروب دينية طاحنة في العالم ‪ ،‬حيث استخدمها كثير من الحكام والمحتلين سلبا ً‬ ‫أو إيجابا لتحقيق أغراضهم ‪.‬‬ ‫فالقت الحرية الدينية بشكل عام استغالالً بين اإلفراط والتفريط دون التقيد بمبادئ محددة ‪،‬‬ ‫وضوابط محكمة ورشيدة حتى في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ‪ ،‬كما انتهكت الحرية الدينية في‬ ‫الحروب الصليبية في الماضي ‪ ،‬وتحت ظل اإلحتالل األجنبي في العصر الحاضر ‪ ،‬ومن سدنة‬ ‫السياسة اليوم ‪ .‬وال تزال الحرية الدينية في القرن الحادي والعشرين تترنح وتقف في وجه األطماع ‪،‬‬ ‫وترزح تحت التوجهات السياسية ‪ ،‬والمؤامرات السرية ‪ ،‬والتعصبات المقيتــة ‪ ،‬وتنالـــها األقالم‬ ‫الحاقدة ‪ 4.‬إذن حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لم ترسو أسسها على أرض الواقع وتصبح حقا‬ ‫مكرسا إال بعد قرون من اإلضطهاد الديني ‪ ،‬واإلمتهان لكرامة اإلنسان وشخصه في حضارات قديمة‬ ‫ومن رجال الدين أنفسهم وبإسم الدين كما سنرى في بحثنا‪.‬‬. ‫‪ - 1‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪19‬‬ ‫‪ - 1‬سورة يونس ‪ ،‬اآلية ‪11‬‬ ‫‪ - 9‬محمد الزحيلي ‪ ،‬الحرية الدينية في الشريعة االسالمية ابعادها وضوابطها ‪ ،‬منظمة المؤتمر اإلسالمــــي ‪ ،‬مجمــــع‬ ‫الفقه االسالمي ‪ ،‬الدورة التاسعة عشر ‪ ،‬إمارة الشارقة ‪ ،‬دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬ص ‪ 18‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪3‬‬.

(8) ‫ولقد اخترت الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لكونه مصدر جدل وصراع‬ ‫بصفة مباشرة أو غير مباشرة في مجال حقوق اإلنسان بين المتمسكين بالعالمية وصوال الى العولمة‬ ‫وتبعاتها ‪ ،‬والمتمسكين بتعاليم ديانتهم وتفسيراتها التي كثيرا ما كانت ضيقة تغذيها خلفيات سياسية ‪.‬‬. ‫‪5‬‬. ‫ إشكالية الدراســـة ‪:‬‬‫تعترض الحرية الدينية منذ القدم إشكاالت عويصة ‪ ،‬كانت بدايتها تكمن في صعوبة تقبل هذه‬ ‫الحرية في حد ذاتها ‪ ،‬حيث أن الكثير من ذهنيات األفراد وكذلك بعض المعتقدات بل واألنظمة يصعب‬ ‫عليها استصاغة هذا الموضوع ‪ ،‬كما يصعب طرحه أصال بصورة مباشرة لمجرد النقاش في أحيان‬ ‫كثيرة ‪ .‬وربما يرجع األمر الى محاذير شرعية أو عرفية أو حتى قانونية ‪ .‬ففكرة منح حرية اإلعتقد قد‬ ‫يكون له تبعات خطيرة على بعض المجتمعات من حيث إستقرارها خاصة إذا تبعت هذه الحرية‬ ‫ممارسة الجانب التطبيقي لهذه الحرية أال وهوممارسة الشعائر الدينية لكل معتقد‪ .‬وسيكون األمر أكثر‬ ‫تعقيدا في مجتمعات ودول تحتوي على أقليات دينية مختلفة ضمن نسيج اجتماعي بنفس المنظومة‬ ‫الدينية يشكل الغالبية ‪ .‬وقد يكون سبب المنع لهذه الحرية أو تأجيلها الى حين يرجع الى عدم تحديد‬ ‫إطارها من حيث مجال تكريسها وضوابطها القانونية والشرعية ‪ ،‬فعادة ما كانت هذه الضوابط مائعة‬ ‫كفكرة النظام العام واألمن العام والصحة العامة والسكينة العامة وغيرها من المصطلحات المطاطية‬ ‫في دالالتها والتي يصعب أخذها كمعايير للضبط والمراقبة ‪ ،‬في نفس الوقت ترتكز عليها الكثير من‬ ‫الجهات لخرق الحرية العقائدية ‪ .‬ومن جهة أخرى نجد أن عملية تحول حرية المعتقد وممارسة‬ ‫الشعائر الدينية إلى حق أساسي ‪ ،‬أي يصبح لها حماية وضمانة قانونية ضمن إطار واضح يحدده‬ ‫القانون سواء على الصعيدين الداخلي أوالدولي ‪ ،‬هي مسألة جد معقدة إن تم النظر إليها بشكل واقعي ‪،‬‬ ‫بسبب التعارض أو حتى التناقض بين أن يكون الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية حقا‬ ‫إنسانيا عالميا يتساوى فيه الجميع ‪ ،‬وبين الحق في الخصوصية الذي يتذرع به العديد من الجهات لتقييد‬ ‫الحرية العقائدية بمستوياتها النظرية والعملية ‪ ،‬ويكون ذلك من جهات رسمية نظامية أو من جهات‬ ‫الضغط المختلفة ‪ .‬وتطرح اإلشكالية بشكل دقيق وقلق حينما يتدخل الغرب بأفكاره ورصيده الحضاري‬ ‫والفكري ‪ ،‬وبأساليبه غير المباشرة لتفكيك بعض الدول وإخضاعها ‪ .‬ونلمس ذلك أكثر حدة عندما يبرز‬ ‫التعارض بين ما يريده الغرب وما هو موجود في اإلسالم حول الحرية الدينية ‪ ،‬فالغرب يريد حرية‬ ‫دينية مطلقة مبنية على مدى قناعة كل شخص فيما يعتقده مهما كان هذا اإلعتقاد ‪ ،‬فيشمل بذلك حرية‬ ‫‪ - 9‬محمد بوسلطان ‪ " ،‬قواعد حماية حقوق االنسان بين العالمية والخصوصية "‪ ،‬محاضرة تم القاؤها بملتقى تلمسـان ‪،‬‬ ‫الجزائر‪ ،‬ص ‪. 19‬‬ ‫‪4‬‬.

(9) ‫اإللحاد وحرية تغيير الدين دون قيود وتقبل كل دين جديد مهما كانت طبيعته أو مصدره ‪ ،‬وهذا المعنى‬ ‫والغرض تتضمنه القوانين الدولية والغربية بصفة عامة ‪ ،‬وهو ال يطرح أي اشكال عميق عندهم لكنه‬ ‫يطرح عدة إشكاالت حاسمة تتعارض بشكل جلي مع الدين اإلسالمي مثال‪.‬‬. ‫ أهــداف الدراســة ‪:‬‬‫تهـــدف دراستنــا إلى بلــوغ مجموعة من األهداف البحثية نلخصـــها فــي ‪:‬‬ ‫ تحديد مفهوم الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية بوصفه حقا مهما ضمن منظومة‬‫حقوق اإلنسان والحريات العامة ‪ ،‬وهذا من خالل تأصيل هذا الحق وتعريفه واستقراء سياقه التاريخي‬ ‫ثم تبيان عالقته مع بعض الحريات األخرى ‪.‬‬ ‫ التعرف على مدى كفالة التكريس القانوني لحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية على‬‫الصعيدين الدولي والداخلي ‪.‬‬ ‫ الوقوف على نسبية الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية عن طريق إبراز ضوابطه‬‫وحدوده القانونية والواقعية ‪.‬‬ ‫ البحث عن السبل والمساعي الممكنة لتفعيل القوانين من أجل التوصل الى آليات تضمن تحقيق‬‫الحوار والتعايش السلميين بين األديان والحضارات المختلفة ‪ ،‬وتضمن الوحدة بين أفراد الشعب الواحد‬ ‫في ظل الهوية الوطنية المشتركة واإلستقرار السلمي‪.‬‬. ‫ منهـــج الدراســـة ‪:‬‬‫ألن دراستنا تتسم بالتنوعية في المصادر التاريخية القديمة والمعاصرة وتطرح الكثير من‬ ‫اإلشكاليات النظرية والعملية ‪ ،‬فإن الثبات على أرضية منهجية واحدة هو ضرب من ضروب‬ ‫المستحيالت ‪ ،‬وعليه إرتأينا أن نعتمد على الجمع بين مناهج متعددة بحسب الضرورات البحثية ‪،‬‬ ‫فأخذنا بالمنهج الوصفي لبيان التعاريف والخصائص المتعلقة بالحق في حرية المعتقد وممارسة‬ ‫الشعائر الدينية ‪ ،‬وبالمنهج التاريخي لبيان السياق التاريخي لهذا الحق ‪ ،‬وبالمنهج التحليلي إلبراز تأثير‬ ‫العوامل الدولية والداخلية عليه ‪ ،‬وبالمنهج المقارن قصد مقارنة التشريعات المعنية بموضوع دراستنا‬ ‫على اختالفها وتنوعها من جهة ‪ ،‬وبين ما يطرحه كل من الفكر الديني والفكرالقانوني من جهة أخرى‪.‬‬. ‫‪5‬‬.

(10) ‫الفصل األول ‪ :‬اإلطار العام للحق في حرية المعتقــد وممارسة الشعائـر‬ ‫الديــــنيـــة‬ ‫تعتبر مفاهيم ومضامين الحريات العامة في غاية من التعقيد والتشعب خاصة في طرحها الفكري‬ ‫والتنظيري‪ ،‬لذا يكون موضوع بحثنا حول واحدة من الحريات العامة التي حظت باشغال األلباب‬ ‫واحيطت بأعلى مراتب اإلهتمام ‪ ،‬ومدارات الجدل الى درجة الصدام ‪ ،‬أال وهي حرية المعتقد‬ ‫وممارسة الشعائر الدينية ‪ ،‬لكن ليس على إطالقها وميوعة حدودها ‪ ،‬بل عندما تستقر أكثر فأكثر‬ ‫وتعنى بالحماية المقننة ‪ ،‬أي ترتقي الى درجة الحق ‪ .‬فهكذا موضوع يتطلب الكثير من العناية‬ ‫والحرص على الموضوعية في الطرح ‪ ،‬وذلك لما قد يثيره من مشاعر وجدانية ونزعات ذاتية ‪،‬‬ ‫باإلضافة الى أنه موضوع يجعل الشخص قاب قوسين أو أدنى من دهاليز الصدامات العصبية‬ ‫وتصارع السياسات والثقافات والحضارات بل والديانات على حد قول البعض ‪.‬‬ ‫يزداد الوضع خطورة لما تختلط السياسة بشؤون العقيدة والدين ‪ ،‬وعندما تسخر النظم السياسية‬ ‫الحاكمة المعتقدات الدينية كورقة للوصول إلى سدة الحكم في الداخل ‪ ،‬أو تستخدمها الدول والجماعات‬ ‫الضاغطة لضرب وحدة الشعوب وأمنها ‪ ،‬أو قلب األنظمة والحكومات أو التشجيع على أعمال‬ ‫التطرف واإلنفصال‪ .‬وقد عرف التاريخ اإلنساني بؤرا واسعة من الصراعات الدولية تعلقت باألساس‬ ‫بهذا المجال ‪ .‬ومثل هذه األعمال والسياسات زادت وتيرتها في عهد الحرب الباردة بين النظامين‬ ‫السوفياتي واألمريكي في إطار مراميهما إلى احتواء الشعوب والتوسع الجغرافي والهيمة على أكبر‬ ‫قدر من األقاليم والثروات الطبيعية ‪ .‬ولكنها استمرت حتى والعالم ينتقل إلى زمن النظام الدولي الجديد‬ ‫في بداية التسعينات ‪ ،‬في زمن حمل مروضوه شعارات – حقوق اإلنسان ‪ ،‬الحريات العامة ‪،‬‬ ‫الديمقراطية ‪ ،‬السالم العالمي ‪ ،‬والتزال تتواصل مثل هذه السياسات ‪،‬ونحن نركب أمواج العولمة‪.‬‬ ‫ومن األخطار الكبرى التي تهدد العالمين العربي واإلسالمي هو الربط المقصود بين ديانة‬ ‫اإلسالم وظاهرة اإلرهاب ‪ ،‬حيث يتم توصيف كل ما هو إسالمي من ثقافة وعقيدة ونظم بأنه يتعارض‬ ‫مع حقوق اإلنسان واإلنفتاح وصور اإلسالم كأنه مقبرة تدفن فيها الحريات العامة ‪ .‬وال يمكن تفسير‬ ‫هذه األخطار والتهجمات بأنها عدوان خارجي أو قدر أمريكي ظالم ‪ ،‬أو مؤامرة صهيونية نكرة فحسب‬ ‫‪ ،‬خاصة وأننا نشهد أن الطعنات واإلساءات تكون في مرات عديدة من أبناء اإلسالم سواء كانوا‬ ‫مغرضين أو جاهلين ‪.‬‬ ‫‪6‬‬.

(11) ‫لهذا سأحرص في هذا البحث على تجنب كل مظهر من مظاهر الخطاب السياسي واإلنفعاالت‬ ‫الذاتية ‪ ،‬وذلك إلتزاما بخصائص البحث العلمي من موضوعية وتجردية وحيادية دون التنازل عن‬ ‫كلمة الحق وعن المبادئ العادلة‪ .‬وفي تقسيمي لمبحثي الفصل‪ ،‬اعتمدت تنويع المراحل التاريخية‬ ‫والمرجعيات الفكرية واإلديولوحية بهدف إجراء المقارنات بل والمقاربات بين النظم المختلفة ‪ ،‬وفهم‬ ‫كل نظام في سياقه التاريخي ومجاله المجتمعي ‪ ،‬والغاية ليست تقييم تلك النظم ‪ ،‬فذلك يخرج عن‬ ‫مجال هذه الدراسة ‪ ،‬وإنما الغاية إدراك تأثيرها على النظم القانونية والممارسات الواقعية المتالحقة‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس أخصص المبحث األول من الدراسة لماهية الحق في حرية المعتقد وممارسة‬ ‫الشعائر الدينية ‪ ،‬وأخصص المبحث الثاني لنطاق الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ‪.‬‬. ‫المبحث األول ‪ :‬مــــــاهيـة الحـــق في حـــرية المعتقــــد وممارســـة الشعائـــر‬ ‫الدينيــــــة‬. ‫للحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ماهيته التي تميزه عن سائر الحقوق والحريات‬ ‫األخرى ‪ ،‬وسياقه التاريخي الذي يعكس مختلف التطورات التي مر بها ‪ ،‬وتفاعله مع الظروف‬ ‫السياسية والتأثيرات الفكرية واإلديولوجية ‪ .‬وعليه أخصص في هذا المبحث مطلبا أوال لمفهوم الحق‬ ‫في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ‪ ،‬ومطلبا ثانيا للسياق التاريخي لهذا الحق ‪.‬‬. ‫المطلب األول ‪ :‬مفهــــوم الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعــــائر الدينية‬ ‫لتحديد مفهوم الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية يقتضي منا البدء بتحديد تعريفه‬ ‫في فرع أول وبيان األسس التي تقوم عليها حرية العقيدة في فرع ثان ‪.‬‬. ‫الفرع األول ‪ :‬تعريف الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية‬ ‫حرية المعتقد أو حرية الضمير أو الوجدان هي شعبة من شعب حرية الفكر ‪ ،‬ولكنها غالبا ما‬ ‫تعالج على استقالل في النصوص الدستورية ‪ ،‬وقد فهمت أحيانا بأنها محدودة بالدين ‪ ،‬لكن في حقيقة‬ ‫‪7‬‬.

(12) ‫األمر نجد أنها قد تكون أوسع من الدين في مفهومها لتشمل المعتقد بمفهومه الواسع من معتقد فلسفي‬ ‫وإيديولوجي وسياسي ‪ ،‬وقد يضيق مفهومها ليشمل الدين فقط وهذا في أغلب الدساتير المعاصرة ألن‬ ‫حرية المعتقد السياسي أو الحرية السياسية بصفة عامة تخصص لها مواد مستقلة قائمة بذاتها ‪ ،‬وباقي‬ ‫المعتقدات تشملها المواد المتعلقة بحرية الفكر والرأي والتعبير ونجد أنه عندما صدر في فرنسا في عام‬ ‫‪ 9119‬القانون المتعلق بفصل الكنيسة عن الدولة أكد هذا القانون على أن الجمهورية تكفل حرية‬ ‫الضمير ‪ ،‬وكان ينبغي أن يفهم من ذلك فقط أن الدولة تحترم حرية المعتقدات الدينية ‪ ،‬وهنا يظهر‬ ‫المفهوم الضيق لحرية المعتقد أوالضمير ‪ ،‬لكن هذا المفهوم الضيق لم يعد واردا ‪ ،‬وأصبحت كلمة‬ ‫حرية الضمير غير محدودة ال بالمعتقدات وال باألديان وال باألراء ‪ ،‬وهذا هو الحل الذي أخد به‬ ‫المجلس الدستوري الفرنسي بقرار واضح ‪ .6‬وبهذا يتسع مفهوم حرية المعتقد أو الضمير لكل األراء‬ ‫وبخاصة األراء الخلقية والسياسية ‪ ،‬وهو ال يتكون فقط في حرية أن يكون لإلنسان رأي وإنما يشتمل‬ ‫أيضا على حرية التعبير وحرية المرء في أن يسلك السلوك المتفق مع أرائه ‪ ،‬وحرية اختياره لطريقه‬ ‫في الحياة ‪.‬‬. ‫‪7‬‬. ‫وان الدين يؤثر على حياة االفراد بل والجماعات و يؤثر اأضا على السلطة السياسية ‪ .‬وقد عرفت‬ ‫دول صراعات كبيرة بالنظر الى دور المعتقدات فيه ‪ ،‬و ما شهده الغرب خير دليل‪ .‬فالرجوع الى‬ ‫تاريخ الغرب نجد أن الفقه أثر كثيرا و بشكل فعال في فصل الدين عن الدولة ‪ ،‬وهذا بعد عصر الظالم‬ ‫الذي شهدته اوروبا ‪ ،‬فاستقلت السلطة الدينية عن السلطة المدنية وبدأ ذلك بشكل واضح في عهد الملك‪:‬‬ ‫فليب سنة ‪ .9179‬كما ذهب اإلنجليز الى التأكيد أنه ال ينبغي لقانون بشري أن يخضع ضمير اإلنسان‬ ‫وانما أعماله فقط ‪ ،‬وأنه منذ ان يقوم االنسان بواجب الطاعة للملك فإنه على الملك أال يبالي بحياته‬ ‫الخاصة ‪ .‬وفكرة الالمباالة هامة جدا ‪ ،‬فالحرية األخالقية تستخلص من الواقع في شطر كبير منها من‬ ‫سكوت القانون ‪ ،‬وذلك من واقع أن امكانية القانون لتنظيم السلوك البشري وضعيا هي امكانية محدودة‬ ‫تقنيـــا‪.‬‬. ‫‪8‬‬. ‫‪ -9‬قرار صادر عن المجلس الدستوري الفرنسي بتاريخ ‪9188/99/ 19 :‬‬ ‫‪ -8‬من هنا يتضح وجود التقاء بين حرية الضمير والحق في الحياة الخاصة ‪ ،‬وهو ما يستفاد من خــالل قراءة الفلسفــة‬ ‫التشريعية للمواثيــق الدولية ذات الصلة بحقوق اإلنسان والحريات العامـــة ونذكر منها اإلعالن العالمي لحقــــــوق‬ ‫اإلنسان الصادر عام ‪ 9197‬واإلتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية لسنة ‪ 9199‬والتي انضمت إليها الجزائر‬ ‫سنة ‪ 9171‬وكذلك الميثاق اإلفريقي لحقوق اإلنسان والشعوب الصادر سنة ‪. 9179‬‬ ‫‪ -8‬عبد الهادي عباس ‪ ،‬حقـــوق اإلنسان ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬دار الفاضل ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ســــوريا ‪ ،‬بــــدون رقـــم الطبعـــــة‬ ‫‪ ، 9119،‬ص ‪911‬‬. ‫‪8‬‬.

(13) ‫مع ذلك فإن القانون ‪ ،‬حتى األكثر تحررا غير غائب عن هذا الميدان وهو في المقام األول يمنع‬ ‫إلحاق األذى بفرد بسبب إعتقاداته الراسخة وذلك ما أكدت عليه المادة ‪ 91‬من اإلعالن الفرنسي لحقوق‬ ‫اإلنسان والتي أكدت على أنه ال يجوز أن يتعرض إنسان لإلزعاج بسبب معتقداته حتى الدينية منها ‪،‬‬ ‫إال إذا كان مظهرها يعكر النظام العام المحدد قانونا ‪ .‬أما اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لعام ‪9197‬‬. ‫الذي أقرته الجمعية العامة لألمم المتحدة ‪ ،‬فقد عدد حق اإلنسان في حرية الفكر والضمير والدين ‪ ،‬فهذا‬ ‫التعداد اليوضح ما إذا جاء في هذا اإلعالن على سبيل ترادف الكلمات لمعنى موحد ‪ ،‬أم أن هنالك‬ ‫تمييزا بين كل منها ‪ .‬ولقد سبق الذكر أن حرية اإلعتقاد شعبة من شعب حرية الفكر ‪ ،‬وإن الدساتير‬ ‫والقوانين تجمع أحيانا بين هذه الكلمات ولكن مما الريب فيه أن لكل منها مدلوله ونطاقه الخاص ‪.‬‬ ‫من هنا يحتوي مفهوم الحرية الدينية على عنصرين أساسيين‪ ، 9‬العنصر األول ضميري داخلي‬ ‫وهو يعني حق اإلنسان في اإليمان بدين ما أو عدم اإليمان ورفض أي دين مهما اختلفت تسميته ‪ .‬أما‬ ‫العنصر الثاني فهو استظهاري خارجي وهو يعني حق الفرد بنشر معتقده مابين اآلخرين ‪ ،‬ثم حريته‬ ‫بممارسة ما يفرض عليه دينه من مراسيم وأعمال وطقوس ‪ .‬إال أن هذا العنصر يظل مقيدا باستثناءات‬ ‫تفرضها العادات والتقاليد اإلجتماعية ‪ ،‬ثم احترام شعور ومكنونات الغير‪ .‬غير أن الحرية الدينية بما‬ ‫يعنيه عنصراها ال يمكن أن تصان إال تبعا لموقف كل دولة منها ‪ ،‬حيث أن هذا الموقف يذهب إلى‬ ‫إحدى اإلتجاهات الثالثة ‪ ،‬األول أن تفرض الدولة على األفراد اإليمان بدين واحد فقط بطريقة مباشرة‬ ‫أو غير مباشرة ‪ ،‬األمر الذي يعزز سلطة الدولة على حساب الحرية الدينية ‪ .‬أما اإلتجاه الثاني يتعلق‬ ‫ب أن يكون الدين مستقال وبعيدا عن هيمنة الدولة ‪ ،‬األمر الذي يمكن أن يؤدي إلى النزاع ‪ ،‬وذلك فيما لو‬ ‫اختلفت كل من متطلبات السلطة الدينية وسلطة الدولة ‪ .‬واإلتجاه الثالث يتعلق بتحديد مجال كل من‬ ‫سلطة الدولة والسلطة الدينية ‪ ،‬وتنظيم العالقة فيما بينهما ‪ ،‬وذللك بموجب اتفاقات تدرج فيما بين جميع‬ ‫الطوائف أو الفرقاء األمر الذي يمكن أن يحد من التداخل أو النزاع بينهم ‪.‬‬ ‫كما يتصل مفهوم الحق في حرية المعتقد بممارسة الشعائر الدينية ‪ ،‬ألن حرية دينية ال تمارس‬ ‫شعائرها تبقى صورية ال يمكن وصفها بالحرية الدينية وإن ممارسة الشعائر بل وحتى الطقوس الدينية‬ ‫ال يجب أن يحدها في إعمالها إال الحذر من أن تهدد سالمة المجتمع أوأمنه ‪ ،‬ثم المحافظة على النظام‬ ‫العام واإلستقرار‪ ،...‬لذلك فإن الجهات المسؤولة في كل دولة ‪ ،‬تحاول أن تتخذ من التدابير ما تراه‬ ‫ضروريا بغية تنظيم إقامة الشعائر والمراسيم الدينية في األماكن المعدة لها مسبقا‪ .‬والبد في كل‬ ‫األحوال أال يكون هدف الدولة هو الحد من الحرية الدينية أو وضع العوائق أمام من يقوم بممارستها ‪،‬‬ ‫‪ - 9‬عبد الهادي عباس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪911‬‬. ‫‪. 911 -‬‬. ‫‪9‬‬.

(14) ‫بل يجب أن تظل الغاية محصورة في أال تنقلب الحرية إلى فوضى‪ ،‬ومقيدة في كل ذلك بعدم المساس‬ ‫بشعور وإحساس اآلخر مهما كان في أطار المواطنة‪ .‬ومع التطور المرحلي أصبحت الحرية الدينية في‬ ‫الدول المعاصرة حرية مقدسة ‪ ،‬وال تجرؤ دولة من الدول ‪-‬حتى تلك التي تنكرها ‪ ،‬على اإلعتداء أو‬ ‫اإلنتقاص من حق األفراد في ممارستها ‪ ،‬وكانت البدايات منذ أن ألمحت إليها شرعة فرجينيا عام ‪9889‬‬. ‫أي قبل استقالل الواليات المتحدة ثم جاءت الشرعة الفرنسية ‪ ،‬تالحقت الخطوات وتعممت لتشمل‬ ‫الشرائع والنظم العالمية األخرى ‪.‬‬ ‫وبعد أن وضعنا أول خطوة في طريق تعريف الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ‪،‬‬ ‫نتبعها بمجموعة من الخطوات البحثية ‪ .‬وفي هذا السياق نعرف مجموعة من المصطلحات التي تدخل‬ ‫في مضمون الحق في حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية ‪.‬‬. ‫أوال ‪ -‬تعريف المعتقـد والديــن ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تعريف المعتقــــد ‪:‬‬ ‫المعتقد في اللغة من فعل عقد والعقد نقيض الحل ‪ ،‬وعقد العهد واليمين بتشديد القاف أكدها ‪،‬‬ ‫والمعاقدة هي المعاهدة والميثاق وهي أوكد العهود ‪ ،‬وعقدة النكاح والبيع وجوبها ‪ ،‬واعتقد الشيء أي‬ ‫صلب واشتد ‪ ،‬وكذلك يقال للرجل اذا سكن غضبه قد تحللت عقده ‪ .‬فيقال اعتقدت كذا أي عقدت عليه‬ ‫القلب والضمير حتى قيل العقيدة هي ما يدين اإلنسان به وله عقيدة حسنة سالمة من الشك ‪.‬‬. ‫‪10‬‬. ‫أما اصطالحا فالمعتقد هو مجموعة من القضايا المسلمة بالعقل والسمع والفطرة يعقد عليها‬ ‫اإلنسان قلبه و يثني صدره جازما ً بصحتها قاطعا ً بوجودها وثبوتها ال يرى خالفها أنه يصح أو يكون‬ ‫أبداً‪ .‬وذلك كاعتقاد اإلنسان بوجود خالقه وعلمه به وقدرته عليه ولقائه به وكإعتقاده بوجوب طاعته‬ ‫فيما بلغه من أوامره ونواهيه من طريق كتبه ورسله وكإعتقاده بغنى ربه تعالى عنه وافتقاره هو إليه ‪.‬‬ ‫ويذهب الشيخ ‪ :‬محمد الصالح العثيمين الى اعتبار أن العقيدة هي حكم الذهن الجازم فيقال‪ :‬اعتقدت كذا‬ ‫يعني جزمت به في قلبي فهو حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإن خالف الواقع ففاسد ‪.‬‬ ‫ولهذا فالعقائد هي مصدقات سلمت بها النفوس ولم تعد تحتمل الجدل أو المناقشة وتختلف عن الرأي أو‬ ‫المبدأ الذي يعد قضية مختلف عليها قابلة في نظر الناس للصدق والكذب‪ .‬ولهذا توجد المعتقدات‬ ‫‪ - 91‬أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ‪ ،‬المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ‪ ،‬المطبعة األميرية ‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الطبعة السادسة ‪ ، 9119 ،‬ص ‪989‬‬ ‫‪10‬‬.

(15) ‫الوضعية والمعتقدات المعيارية‪ ،‬فتشكل األولى أحكاما ً يمكن أن يكون لها طرائق مختلفة‪ ،‬فيمكنها أن‬ ‫تأخذ شكل المقوالت التي تؤكد وجود أو عدم وجود حدث معين أو بصورة أعم حالة لألشياء‪ ،‬إمكانيتها‬ ‫أو استحالتها‪ .‬ويمكنها مع شيء من الدقة أن تجمع اإلحتمال إلى الحدث أو حالة األشياء المعنية‪ .‬وثمة‬ ‫خاصية عامة للمعتقدات الوضعية ‪ ،‬هي كون صحتها من حيث المبدأ قابلة للمراقبة من خالل المواجهة‬ ‫مع الواقع‪ .‬إذ إن معتقداً وضعيا ً يمكن أن يأخذ شكل مقولة تقديرية يتعلق بمستقبل بعيد إلى حد ما‬ ‫ومحدد التاريخ بوضوح إلى حد ما‪ .‬ومن المفارقة أن صحة المعتقدات المعيارية غير قابلة لإلثبات في‬ ‫جوهرها‪ ،‬وحتى قابلة للتعريف بصعوبة‪ ،‬وكما الحظ األستاذ ‪ :‬باريتو أن المعتقدات المعيارية‬ ‫والمعتقدات الوضعية تكون أحيانا ً مرتبطة ارتباطا ً وثيقاً‪.،‬‬. ‫‪11‬‬. ‫أ ‪ -‬تطـور نشـأة المعـتقـدات ‪:‬‬ ‫يذهب فريق من الباحثين في تاريخ األديان الى أن الدين بدأ في صورة الخرافة الوثنية ‪ ،‬وأن‬ ‫اإلنسان أ خذ يترقى في دينه حتى وصل الى الكمال بالتوحيد ‪ ،‬كما تدرج في العلوم والصناعات ‪ ،‬ومن‬ ‫هؤالء ‪ :‬سبنستر وتايلور وفريزر ودوركايم ‪ ،‬ويقابله فريق آخر من الباحثين يرى أن عقيدة الخالق‬ ‫األكبر هي أقدم ديانة ظهرت في البشر ‪ ،‬والوثنيات هي أعراض طارئة ‪ .‬وقد ساق الباحث‪ :‬دراز‬ ‫األدلة العلمية عن هذا الرأي الثاني في بحثه المبتكر عن الدين وتمثلت أدلته بداية في التحليل النفسي ‪.‬‬ ‫فا إلنسان في بدايته كان يقنع بإشباع حاجاته الضرورية من مأكل ومشرب ومأوى ‪ ،‬ودفعته قلة مشاغله‬ ‫‪ ،‬وو فرة وقته الى التأمل الذي يرهف حاسته الدينية ‪ ،‬بينما نرى اشتغال الناس في عصور المدنيات‬ ‫بترف الحياة الجثمانية يؤدي الى العكس ‪ ،‬ذلك أن الغرائز المتقابلة تضعف وتتقلص ‪ ،‬بقدر ما تنمو‬ ‫وتقوى أضدادها ‪ .‬وإن استقراء سير الديانات منذ بداية التاريخ الى اليوم يبين أن كال منها بدأت بعقيدة‬ ‫التوحيد النقية ‪ ،‬ثم خالطتها األباطيل ‪ ،‬مما يدل أن البداية خير من النهاية ‪.‬‬ ‫ويضيف الباحث ‪ :‬محمد عبد هللا دراز أدلته بقوله أنه اذا تم بحث الظاهرة في ضوء التطور‬ ‫الصحيح كتطور الفن مثال ‪ ،‬نجد أنه يبدأ في صورة ساذجة متحدة ومتجانسة ‪ ،‬ثم تندرج الى التكثر‬ ‫والتركيب وتنتقل من البساطة الى التعقيد كلما بعدت عن األصل ‪ ،‬فإذا طبقنا هذا القانون على العقيدة‬ ‫اإللهية يستوجب أنها بالمثل سارت أيضا من الوحدة الى الكثرة‬. ‫ومن النقاوة والسهولة واليسر الى‬. ‫التعقيد ‪ ،‬باإلضافة األسطورية ‪ ،‬والنزوات الخيالية التي ال ضابط لها من العقل السليم ‪ .‬ونضيف اليها‬ ‫الواقع المعاصر الذي يوصف دائما بالتطور الحضاري ‪ ،‬حيث بلغ اإلنسان ذروة التقدم في القرن‬ ‫‪ - 11‬شبكة النبـــأ المعلوماتية ‪ ،‬مصطلحات اجتماعيـــة ‪ :‬المعتقــدات ‪ ،‬األحد ‪ 1‬أيلول ‪ ، 1118‬منشور على الموقــــع ‪:‬‬ ‫‪ ،‬ص ‪ ، 19‬تاريخ التصفح ‪1111-17-99 :‬‬ ‫‪www.annabaa.org‬‬ ‫‪11‬‬.

(16) ‫العشرين الميالدي ‪ .‬وللحكم على مدى صحة هذه المقولة نعود لتذكر حالة العرب في الجاهلية وقبل‬ ‫اإلسالم حيث سادت عبـادة األصنام ‪ .12‬بينما يرى األستاذ ‪ :‬جارودي‬. ‫أن هناك أصناما في العصر‬. ‫الحديث لها قدسية في النفوس تشبه أصنام العرب في الجاهلية ‪ ،‬ولكنها لون جديد من األصنام ‪،‬‬ ‫يحصرها في التنمية والتقدم والفردية وتمجيد األمة ‪ ،‬أصنام القوة المسلحة والجيوش الجرارة ‪،‬‬ ‫وغيرها من أصنام وطوطم ورموز مقدية ‪ ،‬وطقوس واحتفاالت‪ .‬ويشاركه اإلمام ‪ :‬الندوي الرأي ‪،‬‬ ‫حيث يرى أن أوروبا اتخذت آلهة كثيرة بأسماء طريفة وعناوين جديدة من ديمقراطية ودكتاتورية‬ ‫ورأسمالية و اشتراكية ووطنية وقومية عبر ثالثة قرون ‪.‬‬. ‫‪13‬‬. ‫ورغم هذا التفكير اإلستنباطي لتطور العقائد ‪ ،‬وإن كان غربيا في طرحه بالنسبة لعلماء الدين أو‬ ‫الفكر ‪ ،‬اال أنه يقر بوجود ثوابت وخصائص ال بد أن يقوم عليها أي معتقد ولو بدرجات متفاوتة حسب‬ ‫طبيعة كل معتقد ونسبة انتشاره ونوعية الناس المعتنقين له‪ ،‬وهذا ما سنبينه فيما يلـــي ‪.‬‬. ‫ب ‪ -‬خصائص المعتقدات ‪:‬‬ ‫تختلف هذه الخصا ئص بحسب طبيعة كل معتقد ومدى صحته وانتشاره بين الناس ودرجة تأثير‬ ‫الخرافات واألساطير في محتواه وكذلك تأثير الظروف التاريخية والسياسية والثقافية عليه ‪ ،‬ولكن‬ ‫عموما البد أن تتوافر فيه على األقل بعض الخصائص ‪ ،‬ليصبح معتقدا دينيا وهــــي ‪:‬‬ ‫ أن يكون للمعتقد منهاج أو دليل محدد يسير أتباعه وفقه ‪ ،‬فمثال في اليهودية نجد التوراة‬‫والتلموذ‪ ،‬وفي المسيحية يوجد اإلنجيل‬. ‫‪14‬‬. ‫‪ ،‬وفي الشريعة االسالمية يتم اإلعتماد على الكتاب والسنة‬. ‫النبوية وإجماع السلف وأقوالهم دون األخذ من أحد سواهم باالضافة الى األصول األخرى للشريعة‬ ‫االسالمية ‪ ،‬وهذه الخاصية تنفرد بها العقيدة اإلسالمية فغيرها يعتمد على العقل والنظر وكذا الحدس‬ ‫واإللهام وكل عقيدة تعتمد على هذه األمور فهي ضالل وبدعة‪.‬‬ ‫ أن يبنى المعتقد على فكرة وجود إله أي قوة أكبر من قوة اإلنسان يلجأ اليها ‪ ،‬ففي اإلسالم ‪ ،‬ال‬‫يمكن القول بأن هللا موجود بل واجب الوجود أي لم توجده قوة أكبر منه أو سبقته ‪ ،‬وال يمكن القول‬ ‫‪ - 91‬مصطفى حلمي ‪ ،‬اإلســالم واألديــان دراسة مقارنــة ‪ ،‬دار الكتب العلميـــة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬الطبعــة األولـــى ‪،‬‬ ‫‪ ، 1119‬ص ‪ 11‬و ‪. 11‬‬ ‫‪ - 13‬مصطفى حلمي ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬ ‫‪ - 99‬توجد عدة أنواع من األناجيل أهمها ‪ :‬انجيل متى وانجيل مرقس ‪ ،‬وانجــيل لوقا‪ ،‬وانجيل يوحنا‪ ،‬وانجيـــل برنابا‬ ‫وهو أحد األناجيل غير المعترف بها‪.‬‬ ‫ مصطفى حلمي ‪ ،‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪ 998‬الى ‪971‬‬‫‪12‬‬.

(17) ‫بعدم وجوده كما في معتقد اإللحاد ‪ .‬وتحديد هذه الفكرة هو منطلق أساسي ألي معتقد ديني ‪ ،‬فالعقيدة‬ ‫اإلسالمية مثال تقوم على التسليم المطلق باهلل تعالى ألنه أمر غيبي ‪ ،‬فال بد أن يقوم على التسليم‬ ‫والتصديق وهذا من صفات المؤمنين ‪ ،‬فقد مدحهم هللا بهذه الصفة حيث قال تعالــى ‪ (( :‬فيه ُهدًى‬ ‫ب )) ‪. 15‬‬ ‫لِّ ْل ُمتَّقِينَ ‪ ،‬الَّ ِذينَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل َغ ْي ِ‬ ‫ أن يكون المعتقد موافقا للفطرة القويمة والعقل السليم فهو يقوم على اإلتباع واإلقتداء ‪ ،‬وهنا‬‫يالحظ أن بعض المعتقدات ال تتوفر فيها هذه الخاصية إال أنه يوجد لها أتباع مثل عبدة الشيطان ‪،‬‬ ‫ومعتقد الحشاشين الذين يتقربون الى هللا بتعاطي المخدرات وهذا يتنافى مع العقل والفطرة طبعا‪.‬‬ ‫ أن يكون المعتقد متواترا ومنتقال عبر األجيال عن طريق اإلتصال بسند صحيح ‪ ،‬فالدين‬‫اإلسالمي مثال انتقل من الرسول محمد صلى هللا عليه وسلم الى الصحابة ثم التابعين أئمة الهدى ثم لمن‬ ‫بعدهم قوالً وعمالً وعلما ً واعتقاداً‪.‬‬ ‫ أن يقوم المعتقد على الوضوح والبيان‪ .‬اذ تمتاز العقيدة اإلسالمية ‪ -‬مثال ‪ -‬بالوضوح والبيان‬‫وخلوها من التعارض والتناقض والغموض والتعقيد وذلك ألنها مستمدة من كالم هللا الذي ال يأتيه‬ ‫الباطل من بين يديه وال من خلفه وكالم رسوله الذي أوتي جوامع الكلم وال ينطق عن الهوى‪.‬‬ ‫ أن يتميزالمعتقد بالبقاء والثبات واإلستقرار ‪ ،‬فمن خصائص العقيدة أن تكون ثابتة في أصلها‬‫فال يحدث لها تغيير شامل في المسلمات التي تقوم عليها والتي لوالها لما دخل أتباع هذه العقيدة فيها ‪،‬‬ ‫وإن حدث ذلك فيعتبر نشوء عقيدة جديدة أخرى ‪.‬‬ ‫فهذه من أهم خصائص المعتقدات السليمة ‪ ،‬وتظهر جليا في العقيدة اإلسالمية ‪ ،‬فهي ثابتة طيلة‬ ‫هذه القرون وإلى أن تقوم الساعة‪،‬محفوظة في ألفاظها ومعانيها تتناقلها األجيال جيال بعد جيل لم يطالها‬ ‫التبديل وال التحريف وال التلبيس وال الزيادة أو النقص ألنها مستمدة من كتاب اللــه وسنة رسوله‪.‬‬. ‫‪ - 2‬تعريــف الديـــن ‪:‬‬ ‫الدين في اللغة ‪ ،‬نجد منها كلمة الديان بمعنى القهار ‪ ،‬والدين بفتح الدال تدل على واحد الديون‬ ‫وهو كل شيء غير حاضر والجمع أيضا أدين‪ .‬والدين بكسر الدال هو الجزاء والمكافأة ‪ ،‬فيوم الدين هو‬ ‫يوم الجزاء ‪ ،‬فقوله تعالى ‪(( :‬ذلك الدين القيم )) أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوي ‪ .‬ويعني‬. ‫‪ -15‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪ 1‬و ‪1‬‬ ‫‪13‬‬.

(18) ‫الدين أيضا العادة والشأن وجمعه أديان ‪ ،‬فيقال دان نفسه أي اذلها واستعبدها وقيل حاسبها ‪ ،‬وكلمة دنته‬ ‫معناها ملكته ‪ .‬والدين هو الحال والسلطان والورع والقهر والمعصية والطاعة والدعاء‪. 16‬‬. ‫أما اصطالحا يُ َع ُّد الديـن الحلقة الواصلة بين الحق المطلق وبـين اإلنسـان ‪ ،‬ألنه مصدر الهداية‬ ‫العامة لإلنسانية‪ ،‬ولذلك يختلف منظور اإلسالم إلى الدين عن جميع المنظورات األخرى‪ ،‬فضالً عن‬ ‫المنظور اإلجتماعي الوضعي‪ ،‬فهو اذن كل ما يستمد من وحي القوى الغيبية من نظم وتعاليم لتدبير‬ ‫‪17‬‬. ‫شؤون النـاس في الدنيا واآلخــــرة ‪ .‬ونشـير هنا إلى أن لفـظ الديـــن فـي اللـغـات األوربيــة‪ ،‬وهـو‬ ‫‪La religion‬‬. ‫‪ ،‬مأخوذ من الكلمة الالتنية‬. ‫‪Religio‬‬. ‫‪ ،‬التي تدل في معناها الحرفي على الربط‪ .‬ولكن‬. ‫باستعمال هذا اللفظ للداللة على ما نعنيه بمفهوم الدين‪ ،‬انتقل من المعنى المادي إلى المعنوي‪ ،‬فأصبح‬ ‫يدل على واحد من ثالثة معان رئي َسة‪ ،‬وذلك بحسب السياق ‪ ،‬فإما يكون الدين كنظام اجتماعي لطائفة‬ ‫من الناس ترمز إليه طقوس وشعائر متبعة قائمة على إظهار العبادة لذات مطلقة الكمال هي أسما ما في‬ ‫الوجود‪ .‬أو يكون الدين حالة نفسية خاصة‪ ،‬ناشئة عن عواطف وعقائد وعبادات تعبر عن طاعة‬ ‫اآلخذين بها تجاه خالقهم‪ .‬كما يمكن أن يكون الدين بمعنى مطلق التقديس واإلجالل لذات مقدسة أو‬ ‫‪18‬‬. ‫شعيرة من الشعائر ‪.‬‬. ‫ذكر معجم المصطلحات الدينية في تعريفه للدين أنه يذهب ‪ :‬دوركايم إلى أن الدين منظومة‬ ‫متماسكة من اإلعتقادات والممارسات المتعلقة بأمور قدسية‪ .‬ولكن الدين أوسع بكثير من ذلك‪ .‬إنه‬ ‫اختبار معاش فيه المعامـالت أي العالقة باآلخر‪ ،‬وفيه العبادات أي عالقة المؤمن بخالقه ‪ .‬وتكمن‬ ‫مشكلة أي تعريف كامل للدين في أن األديان المعرفة ال تملك دوما منظومة متماسكة ‪ ،‬وال وعيا‬ ‫واضحا لموقفها القدسي أو اإللهي‪ .‬فالدين المولد في التاريخ يدرس بذاته كقول قدسي‪ .‬ولكن البشر عبر‬ ‫التاريخ انتقلوا من العقل الديني القدسي إلى العقل الوضعي الذي يطور األديان بحسب المصالح‬ ‫والسياسات‪ 19 .‬ويقول المفكر‪ :‬شيشرون أن الدين الرباط الذي يصل اإلنسان باهلل ‪ .‬ويقول عنه المفكر ‪:‬‬ ‫كانط أنه هو الشعور بواجباتنا من حيث كونها قائمة على أوامر الهية ‪ .‬أو هو منظومة من اإلعتقادات‬ ‫‪ - 16‬ابن منظور أبي الفضل جمال الدين محمد بـن مكـــرم بن منظــوراإلفريـقي المصـري ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬الجزء‬ ‫الخامـــس ‪ ،‬دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع ‪،‬الطبعة األولى ‪9917 ،‬ه ‪ 9177-‬م ‪ ،‬ص ‪9997‬‬ ‫ ‪.9981 - 9991‬‬‫‪ -98‬علي علي منصور ‪ ،‬مقارنات بـين الشريعة االسالمية والقوانــين الوضعية ‪ ،‬دار الجلـــيل للطباعـــــــة ‪ ،‬بيــروت ‪،‬‬ ‫لبنان ‪ ،‬سنة الطبع ‪ ، 9181‬ص ‪.111‬‬ ‫‪ -97‬مصطفى عبد الرازق‪،‬كتاب الدين واإلسالم‪،‬دارإحياء الكتب العربـية‪،‬القاهرة‪،‬مصر‪،‬الطبعة األولـى‪ ،9199،‬ص‪91‬‬ ‫‪ -19‬أحمد خليل ‪ ،‬معجم المصطلحات الدينية ‪ ،‬دار الفكر اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬بدون تاريخ نشر ‪ ،‬الطبعــــة‬ ‫األولى ‪ ،‬ص ‪89‬‬ ‫‪14‬‬.

(19) ‫والطقوس مبنية على العالقة بكائن أعلى أو بمجموعة من اآللهة أو بمجموعة من األشياء المقدسة أو‬ ‫بالكون ‪ .‬كما يعرفه الفيلسوف البلريطاني ‪ :‬هربرت سبنسر فيقول أن الدين هو اإليمان بقوة ال يمكن‬ ‫تصور ماهيتها الزمانية وال المكانية ‪ .‬ويعرفه أيضا المفكر ‪ :‬ماكس مولر بأن الدين هو محاولة تصور‬ ‫ما ال يمكن تصوره ‪ ،‬والتغبير عما ال يمكن التعبير عنه ‪ ،‬وهو التطلع الى الالنهائي وحب اللـه ‪.‬‬. ‫وبما أن التعريفات السابقة كانت متباينة ‪ ،‬فقد اقترح الدكتور‪ :‬محمد عبد هللا دراز تعريف الدين‬ ‫بما هو مشترك بين األديان كلها‪ ،‬وفي مقدمة ذلك اإليمان بوجود مطلق أو ذات إلهية‪ ،‬يدين لها اإلنسان‬ ‫بكل وجدانه وعقله‪ ،‬معبراً عن تقديسها وطاعتها‪ .‬ويعرف الدين أيضاعلى أنه نظام اجتماعي يقوم على‬ ‫وجود موجود أو أكثر أو قوى فوق الطبيعة ‪ ،‬ويبين العالقات بين بني اإلنسان و تلك الموجودات‬ ‫وتحت أي ثقافة معينة تتشكل هذه الفكرة ‪ ،‬لتصبح نمطا أو أنماطا اجتماعية أو تنظيما اجتماعيا ومثل‬ ‫‪20‬‬. ‫هذه األنماط أو النظم تصبح معروفة بإسم الدين ‪ .‬وعموما توجد عوامل مشتركة بين األديان خاصة‬ ‫السماوية وهي اإليمان بقوة أكبر أو هللا ‪ ،‬واإليمان بالمالئكة والرسل واليوم اآلخر والحساب بعقاب‬ ‫الكافرين وثواب المؤمنين ‪ ،‬والدعوة الى الخير واإلبتعاد عن الشر ‪ ،‬واإللتزام بالقيم واألخالق الحميدة‬ ‫ونبذ الرذيلة والمنكر ‪.‬‬. ‫كما نجد أن المحكمة العليا ألستراليا قد أصدرت أحكاما فيما يتصل بتعريف مصطلح الدين‬ ‫وبتفسيرات األحكام الدستورية المتعلقة بتأسيس دين ‪ .‬فقد طلب منها في عام ‪ 9171‬في قضية كنيسة‬ ‫العقيدة الجديدة ضد لجنة الضرائب على الرواتب ان تفصل في نزاع على موضوع الضرائب وعرفت‬ ‫الدين بأنه ال يمكن أن تقتصر صفة الدين على عقائد التوحيد وحدها ‪ ،‬وأوضح القاضي ‪ :‬ميسون‬ ‫والقاضي ‪ :‬برنين أن المعيار الخاص بتقرير وجود دين يقوم على معيار مزدوج وهو اإليمان بكائن‬ ‫أو شيء أو مبدأ خارق للطبيعة والخضوع لقواعد سلوك تجسد هذا اإليمان‪ ،‬ورأى القاضي مورفي انه‬ ‫يجوز ألي منظمة تدعي أنها منظمة دينية وتشكل عقيدتها وشعائرها استعادةً أو انعكاسا ً لعبادات قديمة‬ ‫ان تطالب بحقها في اإليمان بكائن خارق للطبيعة أو أكثر بإله أو بكيان معنوي‪ ،‬وستعد ديـــنا ً ‪.‬‬. ‫‪21‬‬. ‫لقد استأثرت دراسة األديان بمكانة الصدارة عند علماء اإلجتماع واألنتروبولوجيا والحضارات‪،‬‬ ‫الذين أمدتهم حفريات اللغة وتراث الشعوب البدائية ومختلف المدونات التاريخية بمعلومات هامة‪ .‬ومن‬ ‫‪ - 20‬ابراهيم مدكور وآخرون ‪ ،‬معجم العلوم اإلجتماعية ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬مصر ‪ ، 9189 ،‬ص ‪181‬‬ ‫‪ - 19‬مازن ليلو ‪ " ،‬حرية الضمير والعقيدة الدينية " ‪ ،‬مقال منشور بتاريخ ‪ ، 1117-91-17‬ص ‪ ، 1‬على الموقـــــــع‬ ‫الكتروني ‪ ، www.tebyan.net :‬تاريخ التصفح للموقع ‪1191-19-97 :‬‬ ‫‪15‬‬.

(20) ‫هؤالء العلماء عالم اإلجتماع الفرنسي ‪ :‬دوركايم الذي حاول تعريف الدين تعريفا ً جامعا ً منطـلقا ً من‬ ‫‪22‬‬. ‫المعطيات التي تجمعت لديه‪ ،‬فلم يبتعد عن المعاني التي سبق ذكرها ‪ ،‬ومن خـاللها ندرك أن الباحثين‬ ‫الغربيين في األديان لم يعنوا في الواقـع إال بالمظاهر الخارجية للدين‪ ،‬كالطقوس والتصورات العامة‪،‬‬ ‫والتفـرقة بين المقـدس والمحـرم ‪ ،‬وتقابل عالـم الغيــب وعالـــم الشهـادة ‪ ،‬غير مهتمين بمضامينها‬ ‫العقدية أو بمرتكزاتها اإليمانية‪ .‬ولقد ظل اإلعتقاد الديني مالزما ً لإلنسان وثقافته كاللغة ‪ ،‬داالً على‬ ‫حاجته إلى اإليمان ‪ ،‬مهما يكن موضوع هذا اإليمان أو قيامه على الحق أو على الضالل‪ .‬وتدل‬ ‫معتقدات الشعوب السابقة التي وقف عليها الباحثون اإلثنولوجيون على أن الدين كان استجابة لدافع‬ ‫فطري بالنسبة ألقوام سابقين ‪ ،‬وثبت أن االنسان ال مفر له من االعتقاد بمن هو أسما منه ‪ ،‬فتجب له‬ ‫الطاعة والتقديس ويستمد منه اإليمان بقيمة الحياة‪.‬‬. ‫لكن الباحثين في تاريخ األديان واألنثربولوجيا لم يهتموا في الغالب بالتميز بين األمرين ؛ حاجة‬ ‫اإلنسان إلى اإلعتقاد‪ ،‬وموضوع اإلعتقاد نفسه‪ .‬فاعتبروا أنه لما كان اإلنسان البدائي قد اعتقد األوهام‬ ‫وانساق لألساطير‪ ،‬فإن الدين يظل مجرد طور من أطوار التاريخ اإلنساني ‪ ،‬قبل أن يرقى اإلنسان‬ ‫بعقله إلى معرفة الطبيعة‪ ،‬واكتشاف قوانينها‪ ،‬واستغالل طاقاتها وتعويض الدين المبني على الخرافة‬ ‫بالعلم ‪.‬‬. ‫هذه التصورات التي كانت مالئمة لمستوى العقلية البدائية ‪ ،‬والتي تبدو لنا اليوم مغرقة في‬ ‫السذاجة أو الخرافة ‪ ،‬ال يمكن اعتبارها دليالً على سخافة الحاجة إلى الدين نفسها‪ .‬فالدين قد عرف‬ ‫كسائر الظواهر اإلنسانية والتاريخية أطواراً من النشوء واإلرتقاء‪ ،‬وإذا كان قد البس األوهام‬ ‫والخرافات البدائية ‪ ،‬وال يعقل أن نقول إن االنسان لن ينتهي إلى صواب إال إذا بدأ على صواب‪ ،‬وإنّه‬ ‫‪23‬‬. ‫إن أخطأ في المحاوالت األولى وجب أن يلزمه الخطأ بغير أمل في الصواب ‪ .،‬ينطبق مثل ذلك حتى‬ ‫بالنسبة لمن يتدينون بالدين اإللهي الموحى به‪ ،‬فإن المنتمين إليه قد يحرفون حقائقه ويدخلون عليه ما‬ ‫ليس منه‪ ،‬ويستخدمونه استخداما ً سيئاً‪ ،‬مما تقتضيه جهالتهم أو سذاجتهم‪،‬مثل من يستعمل الميزان‪،‬‬ ‫أسوأ استعمال‪ ،‬فيخرج به عن الغاية التي وضع لها‪ .‬وعندما تطور اإلنسان‪ ،‬وأخذت قواه العقلية تستفيد‬ ‫من تراكمات التجارب والخبرات‪ ،‬وتستخلص منها مفاهيم القيم وثمار األفكار‪ ،‬وأصبحت عقول النخب‬ ‫االجتماعية تمارس التفكير االستداللي ‪ ،‬أخذت عالقة اإلنسان بالدين ترتقي وتبحث عن أسس عقالنية‬ ‫‪- Durkheim , Les formes élementaires de la vie religieuse , Paris, france ,1915, p 31‬‬. ‫‪ - 23‬عباس محمود العقاد ‪ ،‬كتاب هللا ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬بدون تاريخ الطبع ‪ ،‬ص ‪98‬‬. ‫‪16‬‬. ‫‪22‬‬.

(21) ‫وغايات أخالقية عليا‪ .‬ومن المفيد أن يطلع المرء في هذا السياق على سيرة اإلنسان نحو معرفة المعبود‬ ‫الحق الذي يجب أن يدين له بالطاعة والتقديس ‪ ،‬وأنه لم يصل إلى هذا الحق إال بعد تجارب طويلة‬ ‫األمد‪.‬‬. ‫و إن علماء األديان عند استقرائهم ألديان الشعوب المختلفة استنتجــوا أنها ليست من صنف واحد‬ ‫و إن كانت تشترك في اإلعتقاد بالخالـــق إال أنها تختــلف من حيث المصدر و من حيث طبيعة اإلعتقاد‬ ‫إلى غيرها من أوجه اإلختالف بين شتى أنـواع الديانات ‪ ،‬فتنقسم األديـــان من حيث المصدر إلى أديان‬ ‫سماوية ذات أصل إلهي ‪ ،‬هي األديان التي ترجع إلى أصل إلهي سماوي ‪ ،‬و ثبت ذلك عن طريق بعثـة‬ ‫األنبياء و إرسال الرســل مصحوبين بكتب و معجزات تـــدل على صدقــهم و صنف تحت هـــذا النوع‬ ‫األديان السماوية الثالثة اليهودية و النصرانية واإلسالم ‪ ،‬وأديان أرضية مختلقة من قـــبل البشــر ‪ ،‬أي‬ ‫األديان الوثنية الطبيعية األرضيـــــة أو كما يسميها في الـــعادة علماء األديان الغربيون األديان التقليدية‬ ‫الطبيعية ‪ ،‬وهي جميع األديان الوثنية و الخرافية التي لم تستند في معتقداتها إلى نبي من األنبــياء أي لم‬ ‫يثــبت أنه جاء بها نبي أو رســـول من عند هللا ‪ .‬وإنما هي من اختالق العقـــل اإلنسانــي في تفاعله مع‬ ‫بيئتـــه الطبيعي‪ .‬وهذه األديان ناشئـة عن أنـــواع من عالقـــات اإلنسان مع الطبيعة و البيئـــة التي من‬ ‫حـــوله ‪ ،‬و يمكن تلخيـــص أسباب نشـــأة هذه األديــان الى فطـــرة التديـــن أو الخوف من المخلوقات‬ ‫األخرى ‪ ،‬أو اعتقاد وجود قوى متلبسة باألشياء المادية قادرة على التحكم في اإلنسان لذلك وجب عليه‬ ‫عبادتها لتوقـــي شرها كالكــواكب و النجوم ‪ ،‬أو العجز عن تفسير بعض الظواهـر الكونيـــة كالزالزل‬ ‫والبراكين والكسوف وغيرها بصورة علمية ‪ .‬أما من حيث االعتقاد ‪ ،‬فصنف العلماء األديان إلى أديان‬ ‫توحيدية كاإلسـالم ‪ ،‬و اليهودية و المسيحية قبل التحريف و أديان تعددية كأغلب الديانات الوثنية ‪ ،‬التي‬ ‫تجعل لكل ظاهــــرة كونية إلها خاصا بها ‪.‬‬. ‫ثانيا ‪ -‬تعريف العبادة والشعائر الدينية ‪:‬‬ ‫‪ - 1‬تعريف العبــــادة ‪:‬‬ ‫العبادة في اللغة من مشتقاتها كلمة العبد وهو اإلنسان حرا كان أو رقيقا يذهب بذلك الى أنه‬ ‫مربوب لباريه جل وعز ويقصد به المملوك‪ ،‬خالف الحر ‪ .‬قال سيبويه هو في األصل صفة ‪ ،‬قالوا‬ ‫رجل عبد ‪ ،‬ولكنه استعمل استعمال األسماء والجمع أعبد وعبيد وأصله العبودية وهي الخضوع‬ ‫والتذلل ‪.‬أصل العبادة في اللغة هي التذليل‪ ،‬ويقصد بها الطاعة مع الخضوع ‪ ،‬ومنه طريق معبَّد اذا كان‬ ‫‪17‬‬.

Références

Documents relatifs

The metallicity (Z) has several effects on the properties of massive stars (see for exam- ple Heger et al. First, low-Z massive stars are more compact due to lower opacity. Second,

Ce processus passe par une diffusion progressive des produits auparavant réservés à une élite, quand celle-ci se distingue par l’appropriation de marchandises venues

The isoquinoline alkaloids, stylopine, protopine, fumaritine, fumaricine, fumarophycine, fumariline and fumarofine were determined by gas chromatography – mass

Electric Pulse Induced Resistive Switching, Electronic Phase Separation, and Possible Superconductivity in a Mott insulator... Electric Pulse Induced Resistive Switching,

Structure funéraire et industrie du sel : vérification d’une découverte en photographie aérienne à Airon-Saint-Waast (Pas-de-Calais)... Agache repéra en photographie aérienne

Le remplissage de la fosse est généralement effectué avec les cendres du bûcher jusqu'au niveau du sol de la nécropole. Souvent un petit tertre de centres et

Private Sub menu_Load(ByVal sender As System.Object, ByVal e As System.EventArgs)

Restituer le Moyen Âge et ses monuments en images de synthèse, le palais de l’Ombrière comme objet médiateur, In Les médiations de l’Archéologie, sous la dir.. de Daniel Jacobi