• Aucun résultat trouvé

مستويات الدرس اللغوي في تفسير مجالس التتذكير من كلام الحكيم الخبير للإمام ابن باديس

N/A
N/A
Protected

Academic year: 2021

Partager "مستويات الدرس اللغوي في تفسير مجالس التتذكير من كلام الحكيم الخبير للإمام ابن باديس"

Copied!
186
0
0

Texte intégral

(1)5500 / 50 / 50.

(2)

(3) ‫‪‬اإلهداء‬ ‫إىل مَنْ مشلتين يف الصِّغر بعد اللَّه تعاىل تربيَّتُهُما‬ ‫وأحاطتين بعد حفظ اللَّه تعاىل يف الكِبَر دعواتُهُما‪..‬‬ ‫الوالدين الكرميني‪..‬‬ ‫برًّا وإكرامًا‪.‬‬ ‫إىل الفاضلة اليت تتوقَّف الكلمات يف الوفاء هلا مبا بَذَلَت‬ ‫وتَبذُل‪..‬‬ ‫رفيقة الدَّرب‪ ،‬وقُ َّرة العني‪..‬‬ ‫عرفانا وامتنانا‪.‬‬ ‫إىل رياحيين من الدُّنيا‪:‬‬ ‫وائل ‪ ..‬عاصم ‪ ..‬فراس‪ ..‬براء‪.‬‬ ‫حبًّا وعطفا‪ ،‬ودعاءَ حفظ‪.‬‬ ‫أهدي مثرة جُهدي‪ ،‬وأسأل اللَّه بركته‪.‬‬ ‫عبد احلفيظ‪.‬‬.

(4) ‫‪‬شكر وعرفان‬ ‫أزجي وافر شكري وجزيل امتناين إىل أساتذيت على ما‬ ‫لقيت منهم حني زيَّنوا حلقات دروس املاجستري دفعة‬ ‫ظيتُ من‬ ‫‪2102/2102‬م أساتذة مرافقني‪ ،‬ثُمَّ على ما حَ ِ‬ ‫شرف تدبيج أمسائهم واجهة هذه املذكرة أساتذة مناقشني‪.‬‬. ‫األستاذ‪ :‬صاحل بلعيد‬ ‫املشرف الذي تابع البحث حبرصه الشَّديد وعنايته املعهودة‪.‬‬. ‫األستاذ‪ :‬السَّعيد حاوزة‬ ‫الذي نتمثَّل فيه أصالة البحث وعمق النَّظر ومتعة الطَّلب‪.‬‬. ‫األستاذ‪ :‬صالح يوسف عبد القادر‬ ‫الذي تلمَّسنا على يديه مسالك الفصاحة وفنون الكالم‪.‬‬ ‫فلهُم عليَّ حقٌّ ال يقوم به الشُّكر‪ ،‬وليس لفضلهم –بعد‬ ‫فضل اهلل تعاىل‪ -‬من وفاء‪ ،‬إالَّ سؤاله تعاىل هلم احلفظ‬ ‫والسَّداد‪ .‬والربكة يف األعمار واألعمال‪ .‬وأن جيازيهم مبا هو‬ ‫أهله‪.‬‬. ‫عبد احلفيظ‬.

(5) .

(6) . .

(7) -1 -2 -3 -4 -5.

(8) -6. -7.

(9) -1.

(10) -2. -3 -4.

(11) Ibn Bādis commentateur du coran, de Ali Merad.

(12)

(13)

(14) ‫الفصلُ ال َّتمهيدي‪:‬‬ ‫تعريفات أوليَّة ومفاهيم تأسيسيَّة‬.

(15) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫تحتل قضية المستويات اللغوية موقعا أساسا في اللسانيات الحديثة‪ ،‬بحكم أنها أضحت إجراء ال محيد‬ ‫عنه لتحليل اللغة‪ ،‬وادراك خصائص عناصرها‪ ،‬مع أن هذه المسألة ال تمثل من حقيقة اللغة شيئا‪ ،‬وال‬ ‫تعكس طبيعتها‪ ،‬وللوقوف على شيء من حقيقة هذه المستويات‪ ،‬وموقعها من اللغة‪ ،‬بوصفها إجراءات‬ ‫تستهدف متنها؛ تستعرض الدراسة الجوانب الضرورية من قضية المستويات اللغوية في الدرس اللساني‬ ‫الحديث‪ ،‬وما يقابله من الممارسة التطبيقية للتفسير الباديسي‪ ،‬وذلك على سبيل التأسيس لموضوع الدراسة‪.‬‬ ‫غوية وحقيقة ُّ‬ ‫أوال‪-‬المستويات ُّ‬ ‫اللغة‬ ‫الل َّ‬ ‫‪ -1‬المستويات ُّ‬ ‫غوية و َّ‬ ‫الدرس الّلساني‪ :‬استوت الرؤية اللسانية منذ فيردنان دي سوسير‬ ‫الل َّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪ )Ferdinand de Saussure‬قائمة على أن اللغة نظام (بنية) كلي ينتظم مجموعة من العناصر‬ ‫(العالمات) اللغوية‪ ،‬وهي في مجموعها عبارة عن تضافر متداخل ومعقد من األنظمة الجزئية المكونة‪.‬‬ ‫ومع تعرض سوسير لكثير من خصائص العالقات بين العناصر اللغوية‪ ،‬وما أصبح يعرف في ما بعد‬ ‫بمستويات التحليل اللغوي؛ إال أن من اللسانيين من لم يبد إص ار ار كبي ار على طريقة معينة في الترتيب؛‬ ‫بقدر ما كان حريصا على وصف طبيعة وخصائص كل مستوى‪ ،‬وتمييز العديد من العالقات التي تثبت‬ ‫تداخل هذه المستويات في إطار نظام اللغة الكلي‪.‬‬ ‫‪ -1-1‬تعريف المستويات ُّ‬ ‫غوية‪ :‬قال ابن فارس‪" :‬السين والواو والياء أصل يدل على استقامة‬ ‫الل َّ‬ ‫واعتدال بين شيئين‪ "1‬وقال في اللسان‪ :‬سواء الشيء مثله‪ ...‬ساويت هذا بذلك إذا رفعته حتى بلغ قدره‬ ‫ومبلغه‪ ،‬وعلى هذه المعاني يرد هذ الجذر باشتقاقاته المختلفة في المعاجم العربية القديمة‪ ،‬وقد جاءت‬ ‫معاني تقاليبه على المحسوس من البيئة العربية‪ ،‬أما (معجم اللغة العربية المعاصرة) فيورد كلمة (مستوى)‬ ‫بمفاهيمها واستعماالتها المعاصرة‪ ،‬في مواضع متطابقة مع استعمال هذه الدراسة لها‪ ،‬فجاء فيه "مستوى‬ ‫مفرد‪ .‬ج مستويات‪ :‬اسم مفعول من استوى‪ ...‬معيار الحكم‪ ،‬نسبية المقارنة‪ ،‬درجة‪ ...‬سطح أو خط أفقي‬ ‫تقاس عليه األشياء بالنسبة لمقدار ارتفاعها‪ ...‬نطاق أو رتبة‪ "2‬واذا ما اكتفت المعاجم العربية القديمة‬ ‫بإيراد معاني االستقامة والمماثلة واالعتدال‪ ،‬وارتباط بالدالالت الحسية بصورة أكبر؛ فإن هذه الكلمة‬ ‫أصبحت في شكلها المفرد (مستوى) والجمع ( مستويات) ذات دالالت أقرب إلى الدالالت المجردة‪ ،‬وحجز‬ ‫‪ -1‬أبو الحسين أحمد بن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬مراجعة وتعليق‪ :‬أنس محمد الشامي‪ ،‬د ط‪ .‬القاهرة‪1429 :‬ه‪2008 -‬ه‬ ‫دار الحديث مادة (س و ي)‪.‬‬ ‫‪ -2‬أحمد مختار عمر وآخرون‪ ،‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬ط‪ .1‬القاهرة‪1429 :‬ه‪2008 -‬م‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬مادة ( س‬ ‫و ي)‪.‬‬. ‫‪-9-‬‬.

(16) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫لها االستعمال المعاصر مكانا الئقا بين عديد المصطلحات المشابهة‪ .‬وما مصطلح (المستوى اللغوي) أو‬ ‫(المستويات اللغوية) إال أحدها‪ ،‬ومع وجود جذر المصطلح في المدونة العربية القديمة‪ ،‬إال أن المصطلح‬ ‫بصيغته ومفهومه اللغوي لم يرد في المعاجم‪ ،‬وال في مصنفات التنظير العربية األولى‪.‬‬ ‫وأما في االصطالح‪ ،‬فيتناول المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات لفظ مستوى مرادفا للفظ رتبة عند‬ ‫البنويين‪ ،‬وترجمة لكلمة (‪" )Level‬فهناك المستوى الجملي‪ ،‬والمستوى الصرفي‪ ،‬والمستوى الصوتي‪ ،‬وهذا‬ ‫يدل على أن اللغة بنية مؤلفة من الوحدات (أ) التي هي بدورها مؤلفة من الوحدات (ب) التي تصغرها‬ ‫وهي أيضا مكونة من الوحدات األدنى (ج) ‪ ...‬إلخ‪ ،‬مما يبرز تراتبية معينة‪ "1‬ولقد كان هذا التعريف‬ ‫محصلة الجهود اللسانية حول قضية لغوية من أساسيات اللسانيات الحديثة خالل القرن العشرين‪ ،‬بحكم‬ ‫استحالة وصف اللغة‪ ،‬ومعرفة خصائصها المكونة لها‪ ،‬إال من سبيلها‪.‬‬ ‫الدرس َّ‬ ‫‪ -2-1‬موقع المستويات ُّ‬ ‫غوية في َّ‬ ‫اللساني الغربي‪ :‬نشأ الدرس اللساني األوربي ثائ ار على‬ ‫الل َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المنهج التاريخي والمقارن في دراسة اللغة‪ ،‬وبدأ االهتمام النوعي في اللسانيات الحديثة من الجانب‬ ‫الصوتي بإعالن سوسير ثورته على دراسة اللغة المكتوبة‪ ،‬وايالئه للمنطوق منها كل االهتمام‪ ،‬معتب ار ذلك‬ ‫أول خطوة نحو الحقيقة‪ ،‬وأن "دراسة األصوات لذاتها تعد عونا لنا على ما نريد‪ ،‬ولقد فطن علماء اللسان‬ ‫في عصرنا إلى هذا األمر بعد تردد‪ ،‬ثم إنهم استغلوا أبحاثا أسسها غيرهم‪...‬كانوا قد جهزوا علم اللسانيات‬ ‫بعلوم مساعدة حررت اللسان وعلمه من بطش الكلمة المرسومة‪ "2‬وكان أبرز منطلق له على هذا الصعيد‬ ‫هو تمييزه بين فرعين من الدرس الصوتي‪ :‬الفونولوجيا )‪ )phonologie‬أي علم وظائف األصوات الذي‬ ‫يقوم على وصف دور هذه األصوات المفردة‪ ،‬والوظيفة التي تؤديها في اللسان موضع التحليل؛ والفونيتيك‬ ‫)‪ )Phonétique‬التي تعنى بدراسة الصوت اللغوي البشري‪ ،‬بصرف النظر عن اللغة التي ينطق بها‪.‬‬ ‫وتجاوزت اللسانيات بهذا التمييز المنهجي‪ ،‬تلك اإلجراءات التقليدية المرافقة لمنهج الدراسة الصوتية أي‬ ‫مستوى الكتابة الذي اعتبر مخادعا‪ ،‬وال يعبر عن حقيقة األصوات المنظومة‪ .‬وبات الجانب الصوتي من‬ ‫اللغة األحق بالدراسة العلمية‪ ،‬ذلك أنه الحامل الحقيقي للسان الجماعة اللغوية‪ ،‬بخالف اللغة التي تعد‬ ‫المورد الجمعي األساس للسان‪ ،‬وتمثل المخزون الهائل من األلفاظ والتراكيب؛ واعتبر الكالم إنجا از فرديا ال‬ ‫‪ -1‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ /‬مكتب تنسيق التعريب‪ ،‬المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات‪ ،‬د ط‪ .‬الرباط‪:‬‬ ‫‪2002‬م‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫‪ -2‬فردينان دي سوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬تر‪ :‬عبد القادر قنيني‪ ،‬د ط‪ .‬الرباط‪2008 :‬م‪ ،‬إفريقيا الشرق‬ ‫ص‪.54‬‬. ‫‪- 10 -‬‬.

(17) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫يرقى ألن يخضع لدراسة علمية يمكن تعميم نتائجها‪ ،‬غير أن هذه اآلراء مع جرأتها لم تجد التسليم المطلق‬ ‫لدى لسانيين آخرين‪.‬‬ ‫وعلى الضفة األخرى يظهر البحث اللساني األمريكي الحديث متزامنا مع قسيمه األوربي‪ ،‬مختلفا معه‬ ‫في الدوافع والمنهج والهدف‪ ،‬حين انطلق به إدوارد سابير (‪ )Edward sapir‬من خلفية أنثربولوجية‬ ‫كشفتها دراسته الميدانية بجمع لغات الهنود الحمر‪ ،‬لغرض فهم طبيعتهم النفسية واالجتماعية والثقافية من‬ ‫باب اللغة‪ ،‬وبينما اتجه سوسير إلى دراسة اللسان )‪ (la langue‬توجه سابير إلى دراسة الكالم ‪(la‬‬ ‫)‪ parole‬وهو منهج قارب به "العلمية كثي ار لدراسته اللغة المنطوقة‪ ،‬أي باعتبارها أشكاال‪ ،‬وليس على‬ ‫أساس من المعاني التي نتصورها ابتداء‪ "1‬وضمن هذه الرؤية توجه الدرس السلوكي إلى ما تنتجه المثيرات‬ ‫وردود األفعال‪ ،‬وتحولت اللغة عندهم إلى آلية أداء‪.‬‬ ‫ورغم أن هذه المدرسة اللسانية لم تقص العناصر االجتماعية كالمتكلم والمتلقي والسياق‪ ،‬إال أنها‬ ‫أعادت تسميتها و"وجهت عناية اللغويين نحو ربط المعنى بمجاالت غير الكالم‪ ،‬مجاالت تستلزم التحليل‬ ‫على مستويات خاصة‪ "2‬فقد كان حصر اللغة في المثير واالستجابة عائقا ال يمكن تبرير العديد من‬ ‫المواقف اللغوية وغير اللغوية به‪.‬‬ ‫انتهى سابير في بحثه الميداني إلى االهتمام بالشكل اللغوي الذي قسمه إلى عناصر ثالثة‪" :‬العنصر‬ ‫النحوي األساسي (‪ )Radical-grammatical élément‬الكلمة (‪ )Word‬الجملة )‪ (Sentence‬معتب ار‬ ‫العنصر النحوي األساسي معيا ار ونمطا لدراسة الصوت والكلمة والجملة‪ 3‬على هذا الترتيب‪ .‬وهو المنحى‬ ‫الذي انتقدت فيه جهود هذه المدرسة في ما يتعلق بمستويات التحليل‪ ،‬حين أقر سابير بأن "الحدث‬ ‫الكالمي له معنى‪ ...‬وأن تقرير المعاني هو أضعف نقطة في دراسة اللغة‪ ،‬وسوف تبقى هكذا حتى تتقدم‬ ‫المعرفة اإلنسانية إلى أبعد من حالتها الراهنة ‪ "4‬فمع إقرار هذه المدرسة بمستويات البنية اللغوية؛ إال أنها‬ ‫وقفت عاجزة أمام تخصيص مكان رابع للمستوى الداللي‪ ،‬الذي يمثل نتيجة تعالق المستويات الثالثة‬. ‫‪ -1‬عبده الراجحي‪ ،‬النحو العربي والدرس الحديث‪ ،‬د ط‪ .‬بيروت‪1406 :‬ه‪1986 -‬م‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‬ ‫ص‪.35-34‬‬ ‫‪ -2‬محمود السعران‪ ،‬علم اللغة مقدمة للقارئ العربي‪ ،‬د ط‪ .‬بيروت‪ :‬د ت‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪.309‬‬ ‫‪ -3‬ينظر‪ :‬عبده الراجحي‪ ،‬النحو العربي والدرس الحديث‪ ،‬ص‪.35‬‬ ‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.41‬‬. ‫‪- 11 -‬‬.

(18) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫السابقة ويردف مقدما لذلك حجة لم يستسغها الدارسون‪ ،‬إذ برر هذا الخلل ببقاء وضع هذا الدرس على‬ ‫الحالة التي بلغها‪.‬‬ ‫وارتبط هذا التصنيف فعليا باللسانيات األمريكية‪ ،‬ومنهجيا على يد التوزيعيين الذين جاءوا بعد بلومفيلد‬ ‫)‪ (Leonard Bloomfield‬يتزعمهم في ذلك تلميذه زليغ هاريس (‪ )Zleg Harris‬والذي كانت جهوده‬ ‫امتدادا لمبادئ بلومفيلد‪ ،‬وما يهم منها هنا‪ ،‬هو مبدأ التحليل إلى مكونات قريبة‪ ،‬ومبدأ الدراسة العلمية‬ ‫القائمة على الوصف والتصنيف‪ ،‬ومبدأ استثناء المعنى أثناء التحليل‪ ،‬وهي المبادئ التي تحددت على‬ ‫ضوئها مستويات التحليل‪ ،‬وطبيعة العالقة بينها في إطار هذه المدرسة‪ ،‬وتحديدا تحت التسمية الشهيرة‪:‬‬ ‫التحليل إلى المكونات القريبة (‪ )Constituants Immédiats‬كمنهج "يستهدف الوصول‪...‬إلى الوصف‬ ‫الصوري لبنية الجملة‪ ...‬بوصفها سلسلة من القطع الصوتية‪ ،‬يراعي الباحث في تكوينها عالقاتها‬ ‫االندراجية المنتظمة في شكل طبقات من الوحدات بعضها يكون بعضا‪ ،‬أو بعضها يندرج في بعض‪"1‬‬ ‫ولقد أفضى هذا النمط من التوزيع إلى نتائج باهرة في ما بعد‪ ،‬وكان البداية المنهجية لما اصطلح عليه‬ ‫بالتحليل على مستوى النص‪ ،‬والذي يعد نموا لـمبدأ الربط البنوي بين العناصر اللغوية‪ ،‬بدءا بالفونيم ثم‬ ‫المورفيم‪ ‬ثم الجملة ثم النص المؤتلف‪.‬‬ ‫لقد كان هذا اإلجراء نقدا صريحا من البنويين التوزيعيين األمريكيين لمنهج الدرس اللساني البنوي‬ ‫األوربي "الذي يرون أنه باعتماده على التحليل التجريدي للوحدات من أجل الكشف عن سماتها الوظيفية؛‬ ‫يكون قد ورط نفسه في اتجاه نفسي ال طائل من ورائه‪ "2‬ومن ثم خالفته إلى التعامل مع حقيقة اللغة‪ ،‬ولو‬ ‫أنها أسرفت في ذلك أيضا‪ ،‬حين استبعدت كل الظروف األخرى المتعلقة باللغة‪.‬‬ ‫ومع ما تسبب فيه إقصاء المعنى لهذه المدرسة من صعوبات منهجية في التحليل؛ فإن جهود‬ ‫التوزيعيين تعد النواة التي استغل تشومسكي )‪ )Noam Chomsky‬مفاهيمها ومفرداتها‪ ،‬وكانت األساس‬ ‫الذي استثمره في صياغة مفردات النظرية التوليدية التحويلية‪ ،‬التي تعد المستفيد األكبر لحد اآلن من كل‬ ‫الجهود اللسانية السالفة‪.‬‬ ‫‪ -1‬الطيب دبة‪ ،‬مبادئ اللسانيات البنوية دراسة تحليلية ابستمولوجية‪ ،‬د ط‪ .‬الجزائر‪2001 :‬م‪ ،‬دار القصبة للنشر‬ ‫ص‪.150‬‬ ‫‪ ‬المورفيم مرادف لكلمة (مونيم) المستعمل أوربيا في التحليل َّ‬ ‫النحو ّي الوظيفي‪ ،‬ويستعمل األمريكيون مصطلح (مورفيم) في‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الصرفي‪ ،‬ويدل مبدئيا على ذات الوحدة اللسانية‪.‬‬ ‫التحليل‬ ‫َّ ّ‬ ‫‪ -2‬الطيب دبة‪ ،‬مبادئ اللسانيات البنوية‪ ،‬ص‪.155‬‬. ‫‪- 12 -‬‬.

(19) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫بدت اللسانيات األوربية في وصفها اللغات البشرية متحيزة إلى وصف ذهني تجريدي جعل من ممارسة‬ ‫التطبيقات الواقعية على اللغة أم ار عسيرا‪ ،‬في ما نزعت اللسانيات األمريكية إلى االعتماد الكلي على‬ ‫الجانب الشكلي من اللغة فعدلت بدورها عن شطر معتبر من هدف وجود اللغة‪ ،‬والغرض من استعمالها‬ ‫وهو الداللة‪ .‬ومع اتفاق المدرستين مبدئيا على وجود مستويات لغوية تعرف بها حقيقة اللغات‬ ‫وخصائصها؛ إال أن منهج المدرستين في تفعيل كل مستويات اللغة بدا قاص ار في األوربية بسبب التجريد‬ ‫وفي األميركية بسبب إقصاء المعنى‪.‬‬ ‫الترتيبي ( َّ‬ ‫التركيبي و َّ‬ ‫أ‪ -‬المستوى َّ‬ ‫النحو ّي والصرفي)‪ :‬تناولت البنوية أول ظهورها هذا المستوى من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللغة ضمن مسمى عالقات محور المركب الترتيبي‪ ،‬وعالقات محور االستبدال ذي التداعي الترابطي ومن‬ ‫خالل هذين المحورين عولجت العالقات النحوية ‪-‬باالصطالح التقليدي– على مستوى المحور الترتيبي‪،‬‬ ‫والعالقات الصرفية على مستوى محور االستبدال‪ ،‬وهي الطريقة التي يدرك بها الدارس أن "ضروب‬ ‫العالقات وأنواع الفروق المميزة بين الحدود واأللفاظ اللسانية تقع في مجالين متمايزين‪ ،‬حيث يكون كل‬ ‫واحد من تلك الضروب واألنواع مولدا ومحدثا ألنماط معينة من القيم‪ "1‬وبمعنى آخر فإن الجانب النحوي‬ ‫الذي تظهر فيه عالقة العناصر اللغوية على صعيد الرتب ومواقعها أفقيا‪ ،‬محكوم بعالقة أخرى عمودية‬ ‫تشتغل على بنية تلك العناصر‪ ،‬وأوضاعها المورفولوجية‪.‬‬ ‫ومع االعتراف بأنه مستوى كلي واحد؛ إال أنه يجب التعامل معه في اتجاهين وفي الوقت ذاته‪ ،‬يهتم‬ ‫أحدهما أفقيا بطبيعة العالقات االختيارية الممكنة‪ ،‬ويتجلى على صعيد الجمل وأنماطها‪ ،‬ويتكفل ثانيهما‬ ‫باألوضاع المفردة للعناصر اللغوية في ذاتها عموديا‪ .‬فتقرر في الدرس اللساني البنوي األول أن "األلفاظ‬ ‫تعقد في ما بينها حسب ترتيبها في سلسلة ضروبا من العالقات المبنية على الخاصية الخطية الطولية‬ ‫للسان‪ "2‬وتشكل بذلك مستوى من مستويات اللغة‪ ،‬يخضع عند التحليل العتبارات ذهنية‪ ،‬وتدرك بها تلك‬ ‫الترابطات على مستوى الدماغ‪ ،‬وتتولى األلفاظ التعبير عنها‪ ،‬بواسطة نسق معين من الترتيب اللفظي‬ ‫الذي هو انعكاس لما في الذهن‪ ،‬وأن هذا التعبير ليس مختصا باأللفاظ المفردة فقط؛ "بل ينطبق أيضا‬ ‫على كل مجموع مؤلف من األلفاظ والوحدات المركبة مهما بلغ مداها وتنوعها‪ "3‬والتي ليست في أصلها إال‬ ‫تركيبا لسلسلة من األصوات‪.‬‬ ‫‪ -1‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ص‪.181‬‬ ‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.181‬‬ ‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.183‬‬. ‫‪- 13 -‬‬.

(20) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫ولعل هذا التعالق الشديد هو ما جعل دي سوسير ينتقد التقسيم التقليدي الذي اشتهرت به األنحاء‬ ‫تمييز وهميا‪ 1‬وليس معنى ذلك أنه تقسيم خاطئ أو ال وجود‬ ‫ا‬ ‫الكالسيكية حتى عهده والى ما بعده‪ ،‬فـيعتبره‬ ‫له؛ بل ذهب إلى استعراض العالقة بين المصطلحين التقليديين (النحو والصرف) من زاوية أخرى ضمن‬ ‫تناوله للقضايا اللسانية من وجهة نظر ثائرة على كل ما هو تقليدي‪ ،‬واعادة صياغته ضمن معايير نظريته‬ ‫اللسانية‪.‬‬ ‫ب‪ -‬العالقات على المحور االستبدالي (المعجم)‪ :‬تناولت اللسانيات الحديثة هذا المستوى انطالقا من‬ ‫ّ‬ ‫طبيعة المفردة وأثر العملية االشتقاقية من الجذر‪ ،‬وما يتولد عنه من صيغ "فبينما يقتضي محور المركب‬ ‫الترتيبي (النحو) اقتضاء فوريا فكرة النظام المرتب المتتالي مع قدر معين من العناصر؛ فإن األلفاظ‬ ‫المتداعية على محور االستبدال ال تنحصر لوازمها وأخواتها في مقدار معين من العناصر وال في ترتيب‬ ‫معين‪ "2‬وهو الذي يكتشف بممارسة عمليات التقديم‪ ،‬والتأخير‪ ،‬والحذف‪ ،‬والذكر‪ ،‬وضروبها في الكالم‪.‬‬ ‫وضمن تلك الخطية الكالمية يرى سوسير أن اللفظ المفرد يستمد تصنيفه التصريفي‪ ،‬ومن ثم معجميته‬ ‫التابعة بشكل من األشكال‪ ،‬بالقياس إلى أبنية أخرى‪ ،‬وهي األبنية التي يكون الفارق في تمايزها صوتيا‬ ‫كما أن للحالة اإلعرابية نصيب في تحديد هذه الصيغة وتمييزها‪ ،‬إذ من األلفاظ المفردة ما يشرح في‬ ‫المعاجم معجميا‪ ،‬ومنها ما يعرف نحويا‪ .‬فشرح كلمة مثل‪ :‬العجمة‪ ،‬بـ اللكنة‪ 3‬شرح معجمي مفرد مقابل‬ ‫وتشرح أيضا بـ "عدم الفصاحة‪ "4‬ولكن تمييز الوزن (الفعلة) من بين األوزان المجاورة كـ (الفعلة‪ ،‬الفعلة‪)...‬‬ ‫أو غيرها‪ ،‬ال يكون إال من طريق المقابلة الصوتية بين مكونات اللفظة‪ ،‬وداللتها في إطار التركيب‪ ،‬وذلك‬ ‫رهين برتبة اللفظة وعالقتها بما قبلها وما بعدها‪ ،‬بل إن "مبحث الحروف (الروابط) ينسب بوجه عام إلى‬ ‫دراسة النحو‪ ،‬مع أن بعض الروابط المركبة من الحروف‪ ...‬يدخل في باب البحث المعجمي على‬ ‫الخصوص‪ "5‬وذلك ما فتح باب تعالق النحو والداللة في ما بعد‪.‬‬ ‫ومع المالمح األولى للسانيات الحديثة‪ ،‬بدا واضحا إدراك اللسانيين حتمية استناد المستويات اللغوية‬ ‫بعضها إلى بعض‪ ،‬وعدم إمكانية قيام أحدها بذاته أو استغنائه عن غيره‪.‬‬ ‫‪ -1‬ينظر‪ :‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ص‪.197‬‬ ‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.185‬‬ ‫‪ -3‬أحمد الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬د ط‪ .‬القاهرة‪1424 :‬ه‪ ،2009 -‬دار الحديث للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬مادة (ع ج م)‪.‬‬ ‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ ،‬مادة (ع ج م)‪.‬‬ ‫‪ -5‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ص‪.198‬‬. ‫‪- 14 -‬‬.

(21) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫وجملة ما يتناول به هذا المستوى في اللسانيات الحديثة؛ هو االنطالق في صياغة التراكيب المختلفة‬ ‫على ما في ذهن المتكلم من اختيارات معجمية محددة‪ ،‬وأن التراكيب اللسانية تنتزع قيمتها مما سبقها ومما‬ ‫يلحقها من الصيغ‪ ،‬ومن خالل وفائها بالداللة على المراد‪ ،‬بأن يكون اختيارها صحيحا في ذاتها‪ ،‬وأن‬ ‫يكون تركيبها على ما تعارفت عليه الجماعة اللغوية من بناء اللغة‪ ،‬لتحقيق التواصل السليم‪.‬‬ ‫ج‪ -‬إضافات حلقة براغ (الفونيم‪ ،‬الوظيفة)‪ :‬أحالت المفاهيم البنوية الجديدة البحث الصوتي في حلقة‬ ‫براغ على حقيقة أصغر مكون لمادة هذه المستويات (الفونيم) وحزمه المميزة له‪ ،‬باعتبار "أن كل نظام‬ ‫صوتي في أي لغة يتكون من وحدات صوتية تحدد هويتها بمجموعة من المميزات ال أي مميزات‪ ،‬بل تلك‬ ‫التي تسهم وحدها‪ ،‬أو مع غيرها في التمييز بين معاني الكالم‪ "1‬وفي إطار ثنائية سوسير التاريخية واآلنية‬ ‫في دراسة اللسان؛ انصب اهتمام البراغيين على الدراسة الصوتية ضمن هذا المفهوم‪ ،‬مؤكدين على التفريق‬ ‫بين الدراسة التاريخية لألصوات في تطورها‪ ،‬وتحولها على أنها وصف للغة من اللغات باستخدام مناهج‬ ‫لغوية واجتماعية ونفسية‪ ،‬وبين دراسة األصوات اللغوية‪ ،‬وما يكون عليه األداء اآلني للغة‪ ،‬أو ما يصحبها‬ ‫من مظاهر صوتية كالنبر والتنغيم وصعود الصوت ونزوله في أحوال االستفهام أو التعجب أو أمثالهما‪.‬‬ ‫لقد كان ذلك يعني أن العناصر اللغوية بداية من الصوت إلى التركيب‪ ،‬تكتسب قيمتها المادية كمكون‬ ‫لغوي‪ ،‬وقيمتها الداللية كوسيلة تعبيرية‪ ،‬باالستناد إلى الصوت اللغوي البسيط‪ .‬ثم تجاوز هذا التمييز‬ ‫مستوى الصوت إلى مستوى المفردة‪ ،‬وهو ما سمي (مورفولوجيا المفردات) ثم إلى الصيغ والتراكيب‬ ‫والداللة‪ ،‬فقد قرر ياكبسون )‪ (Roman Jakobson‬في مقدمة بعض مقاالته سنة ‪1929‬م "أن التحوالت‬ ‫الصوتية ال تصيب األصوات اللغوية منفردة؛ بل في داخل النظام الذي تندرج فيه‪ ،‬وال بد أن يتغير النظام‬ ‫كله بتحول فونيم واحد‪ "2‬وتوجهت العناية إلى الوحدات المكونة للتراكيب‪ ،‬من حيث طبيعتها التركيبية‪ ،‬ال‬ ‫من حيث طبيعتها اإلفرادية‪ ،‬وهي العالقات التي يفترض أن تكون مصاغة صياغة سليمة منتظمة‪ 3‬هذا‬ ‫من جهة؛ ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن هذا المستوى يظهر بوضوح ما يكون عليه التركيب من حيث هو تواضع‬ ‫جماعي يتفق فيه على أنساق لغوية عامة تستجيب لما في أذهان المتكلمين باعتبار أول‪ ،‬وعلى بعض‬ ‫الصيغ التي تحتكم إلى قدرات الفرد الكالمية‪ ،‬وممارساته التعبيرية الذاتية باعتبار آخر‪.‬‬ ‫‪ -1‬عبد الرحمان الحاج صالح‪ ،‬بحوث ودراسات في اللسانيات العربية‪ ،‬د ط‪ .‬الجزائر‪2007 :‬م‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‬ ‫‪.246‬‬ ‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.253‬‬ ‫‪ -3‬ينظر‪ :‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ص‪.184‬‬. ‫‪- 15 -‬‬.

(22) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫لقد كان الجهد الصوتي لحلقة براغ‪ ،‬إحالة طبيعية على ما اتخذوه أساسا ثانيا لمنهج المدرسة‪ ،‬وهو‬ ‫الوظيفة التي يسهم الصوت في تحقيقها؛ وبذلك وقع تركيز جل بحوث هذه المدرسة على الوظائف‬ ‫الصوتية في اللغة‪ ،‬وهو ما يتالمس مباشرة مع الجوانب النفسية واالنفعالية والظروف االجتماعية والبيئية‬ ‫الصوري ال ّذهني الوصفي الذي‬ ‫المؤثرة‪ ،‬فانتقل الدرس اللساني إثر جهود هؤالء بدراسة اللغة من طابعها ُّ‬ ‫ّ‬ ‫كيفية متابعة إنجاز العناصر اللغوية والعوامل المتحكمة فيها‪ ،‬وطبيعة‬ ‫أقام دعائمه دي سوسير؛ إلى َّ‬ ‫الوظيفة التي يمكن أن تؤديها‪.‬‬ ‫الداللة َّ‬ ‫د‪ -‬مستوى َّ‬ ‫سانية)‪ :‬امتدادا لتمييز البنوية السوسيرية بين الدراسة الوصفية والدراسة‬ ‫(الداللة الّل َّ‬ ‫التاريخية للغة في ظل إحدى ثنائياتها الشهيرة‪ :‬التاريخية)‪ ) Diachronque‬واآلنية )‪(Synchronique‬‬ ‫واختصاص كل درس بموضوع معين؛ حرصت كذلك على "وجوب التفريق بين دراسة المعنى دراسة‬ ‫وصفية ثابتة‪ ،‬أي‪ :‬في مرحلة معينة‪ ...‬وبين دراسة المعنى دراسة تطورية‪ "1‬وعدت من أسس الدراسة‬ ‫اللسانية العلمية دراسة هذا المستوى في حالته السكونية‪ ،‬ومن هنا وجب أن تقتصر الد ارسة المثلى في‬ ‫نظر هذه المدرسة لهذا المستوى‪ ،‬على فترة معينة من تاريخ اللسان‪ ،‬وعن طريق توظيف آليات دراسة‬ ‫ترصد العالقات بين عناصر النظام اللغوي (العالمات) في تلك الفترة‪ ،‬ودفع الدالالت المختلفة المصاحبة‬ ‫للعالمات اللغوية عبر الزمن‪ ،‬واالكتفاء منها بما يدل عليه االستعمال اللغوي زمن الدراسة‪ ،‬وسواء كانت‬ ‫دراسة هذا المستوى في فترة من فتراتها السابقة‪ ،‬أو في مرحلتها اآلنية؛ فإن عليها أن تعامل اللغة في حالة‬ ‫ساكنة‪ ،‬فتتناولها بالمتابعة والتحليل‪.‬‬ ‫غير أن من أهم ما ترتفع عليه ركائز الداللة هو االختالف الذي قام عليه التمييز بين األصوات‬ ‫المشكلة لأللفاظ‪ ،‬وبين األلفاظ المشكلة للتراكيب‪ ،‬وبين دالالت التراكيب كنواة يقوم عليها التواصل اللغوي‬ ‫اإلنساني‪ .‬فيقول سوسير‪" :‬ال وجود في اللغة إال لالختالفات‪ "2‬وقد كان لهذه اإلشارات الدور األساس في‬ ‫تكييف نمط النظر في الدرس الصوتي‪ ،‬بعد أن حاز االهتمام بصفة إجمالية‪ ،‬من خالل اختالفها عن‬ ‫غيرها في مستواها وهو االختالف الذي يدرك من خالل التقابل الذي يولد منظومة قيم‪ 3‬ونتيجة لتلك‬. ‫‪ -1‬محمود السعران‪ ،‬علم اللغة‪ ،‬مقدمة للقارئ العربي‪ ،‬ص‪.304‬‬ ‫‪ -2‬ينظر‪ :‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في األلسنية العامة‪ ،‬تر‪ :‬يوسف غازي‪ -‬مجيد النصر‪ ،‬د ط‪ .‬الجزائر‪1986 :‬م‬ ‫المؤسسة الجزائرية للطباعة‪ ،‬ص‪.145‬‬ ‫‪ -3‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في األلسنية العامة‪ ،‬ص‪.146‬‬. ‫‪- 16 -‬‬.

(23) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫التقابالت؛ تكتسب العالمات اللغوية قيمتها الداللية‪ ،‬وتسهم بذلك في تشكيل المعنى‪ ،‬فباستخراج التقابالت‬ ‫الفارقة بين العناصر اللغوية‪ ،‬وتفقد ما توحي به شبكة العالقات بينها‪ ،‬يتجلى المسار إلى المعنى‪.‬‬ ‫‪ -3-1‬طبيعة العالقة بين المستويات ُّ‬ ‫غوية‪ :‬ترتب على تطبيقات رؤى البحث اللساني الجديد في‬ ‫الل َّ‬ ‫ما تعلق بالمستويات اللغوية‪ ،‬آثار ألزمت اللسانيين برصد العالقة بين العناصر اللغوية في النظام على‬ ‫مستوى التركيب‪ ،‬وبالتمثيل لمقطع عرضي وطولي لساق نباتي‪ ،‬فإن "المقطع الطولي يظهر لنا تجمع‬ ‫األلياف على مستوى خاص‪ ،‬لكن التقطيع العرضي متمايز عن الطولي‪ ،‬ألن العرضي يظهر بين األلياف‬ ‫بعض العالقات التي ال يمكن أن ندركها على مستوى التقطيع الطولي‪ "1‬وبهذا يستعرض سوسير طبيعة‬ ‫العالقة األفقية بين عناصر النظام اللغوية‪ ،‬والتي تشكل نسيجا متظافرا‪ ،‬وشبكة من العالقات المنتظمة‬ ‫للعالمات اللغوية على نسق معين وعلى مستوى أكثر تشابكا‪.‬‬ ‫ويضرب مثال أكثر تعبي ار عن تداخل المستويات اللغوية وتظافرها‪ ،‬لبناء النسق اللساني الشبيه بنظام‬ ‫القيم الذاتية‪ ،‬والمعايير التي تتحرك في حدودها قطع الشطرنج فـ "القيمة المعطاة لكل قطع اللعبة‪ ،‬إنما‬ ‫تتعلق بموقعها وموضعها من رقعة الشطرنج‪ ،‬وبالمثل فإن كل لفظ واحد في اللسان تتحدد قيمته بالمقابل‬ ‫مع سائر الحدود األخرى‪ "2‬وهو تمثيل لحال رتب العناصر في التراكيب اللغوية ما بين االسمية والفعلية‬ ‫والحرفية‪ ،‬وكذا قيمة ورتبة اإلسناد‪ ،‬وتقدم وتأخر المسند أو المسند إليه وغير ذلك‪.‬‬ ‫الوظيفية التي اشترك في تكوينها علماء روس وتشيكيون "وقد أدخل الجناح‬ ‫وعلى هذه المفاهيم نشأت‬ ‫َّ‬ ‫الروسي بقوة الجانب البنيوي‪ ،‬والجناح التشيكي بالتعاون مع علماء النفس الجشتالث‪‬الجانب الوظيفي‪"3‬‬ ‫لصوت ُّ‬ ‫اللغو ّي والوظيفة العناية الالزمة في الدرس اللساني‪ ،‬فانتقاء المتكلم لسلسلة كالمية‬ ‫والتي أولت لـ َّ‬. ‫معينة مرتبط بالمحور التركيبي الذي يفرض معايير كالصحة اإلعرابية‪ ،‬والسالمة الداللية‪ ،‬وربما تجاوز‬ ‫اللفظ إلى أساليب بالغية‪ ،‬فتكون قائمة االنتقاء على مستوى االستبدال مفتوحة على ما يفرضه محور‬ ‫الترتيب‪ ،‬ويمكن ألي منها احتالل أي موقع بموجب اعتبار االستبدال‪ ،‬ولكن معايير التركيب ستقصي ما‬ ‫‪ -1‬دي سوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ص‪.132‬‬ ‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.133‬‬ ‫‪‬‬. ‫نظرية الجشطالت (‪ )la théorie de la gestalt‬في علم النفس‪ ،‬تعني ببساطة أنه من الضروري اعتبار الكل‪ ،‬ألن الكل‬. ‫له معنى مختلف عن األجزاء المكونة له‪.‬‬ ‫‪ -3‬بريجيته بارتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة‪ ،‬تر‪ :‬سعيد حسن بحيري‪ ،‬ط‪ .2‬القاهرة‪1431 :‬ه‪2010 -‬م‪ ،‬مؤسسة المختار‬ ‫ص‪.139‬‬. ‫‪- 17 -‬‬.

(24) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫ال يستسيغه التواضع اللساني العام‪ ،‬فيصنف ما أقصي ضمن الخطأ‪ ،‬أو عدم العلم بقوانين ذلك اللسان أو‬ ‫غير ذلك‪ .‬وتتابع السالسل الكالمية وترتيبها خاضع لسلطة المتكلم النابعة من إحساسه المكتسب من‬ ‫العرف الصحيح للغة‪ ،‬وانتقاؤه لمكوناتها نابع من غلبة حكم المناسبة والمقام‪.‬‬ ‫‪ُّ -4-1‬‬ ‫اللغة مستويات‪ :‬أبانت الجهود التنظيرية التي بدأت بعرض سوسير آراءه حول قضية‬ ‫المستويات اللسانية نظرة هذا العلم إلى الطريقة العلمية والمثمرة لتحليل اللغة‪ ،‬بعد أن ثبت لهم أنها "ظاهرة‬ ‫على جانب كبير من التعقيد‪ ،‬بحيث ال يمكن ألي منهج أو مخطط مقترح أن يصف خصائصها وصفا‬ ‫كامال أو يفسر ظواهرها تفسي ار تاما‪ "1‬ومن ثم لم يبق للدارسين إال اقتراح طرائق اجتهدوا في ضبط‬ ‫مصطلحاتها وجهازها المفاهيمي‪.‬‬ ‫ومع القول بهذا التقسيم‪ ،‬وبناء على ما قرره سوسير إليجاد أنجع الحلول لدراسة اللغة علميا‪ ،‬بأن‬ ‫"تخضع الدراسة التحليلية الصورية للغة إلى منهجية تصنيفية تقسم اللغة إلى ثالثة مستويات هي‪:‬‬ ‫المستوى الصوتي والمستوى الصرفي‪ ،‬والمستوى التركيبي‪ "2‬فإن البنويين يبقون على نظرتهم إلى اللغة‬ ‫على أنها عبارة عن "نظام بنيوي‪ ،‬أي‪ :‬كل تترابط فيه األجزاء بشكل غير مستقل‪ "3‬وظهرت وجهتهم‬ ‫واضحة في تجريد أصول نظرية لسانية متكئة على الجهود اللغوية اإلنسانية السابقة‪ ،‬ومستثمرة لمفردات‬ ‫علوم كثيرة حتى تستقيم الرؤية قائمة في بناء منظم متماسك بالنظر "إلى جوهر اللغة على أنه الصالت‬ ‫المتبادلة بين العناصر المكونة لها (الفونيمية والمورفيمية والنحوية والمعجمية) وأن كل لغة تشكل نظاما‬ ‫وأنه مجموعة دقيقة الترتيب كل شيء متماسك داخلها‪ "4‬وأضحت قضية المستويات اللغوية موضع اتفاق‬ ‫بين اللسانيين سواء من حيث اإلقرار بها‪ ،‬أو من حيث ضرورة إدراك كنه العالقات بينها‪ ،‬لمعرفة حقيقة‬ ‫اللغة المدروسة‪.‬‬ ‫ولقد مضت غالب الدراسات اللسانية على ترسيم معالم هذه المستويات من اللغة في جوانب عامة هي‪:‬‬ ‫* الجانب الصوتي‪ :‬ويـثبت حضوره في تشكيل الـمعنى في ما إذا استبدل صوت بآخر في موضعه أو‬ ‫عن طريق أداء تنغيـمي أو نبري‪ ،‬كاالستفهام والتعجب‪.‬‬. ‫‪ -1‬محمد حسن عبد العزيز‪ ،‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬د ط‪ .‬القاهرة‪1998 :‬م‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ص‪.199‬‬ ‫‪ -2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.161‬‬ ‫‪ -3‬بريجيته بارتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة‪ ،‬ص‪.287‬‬ ‫‪ -4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.287‬‬. ‫‪- 18 -‬‬.

(25) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫* الجانب الصرفي‪ :‬وتبرر به تلك الفروق التي تحدث على صعيد المعاني جراء الصيغ الصرفية‬ ‫المختلفة للكلمة ذات الجذر الواحد‪ ،‬أو بزيادة صيغ زوائد‪.‬‬ ‫* الجانب النحوي‪ :‬ويضطلع بتتبع الوظائف النسقية النحوية للكلمات ضمن التركيب‪ ،‬واألثر الحاصل‬ ‫على الـمعنى لتغير موقعها‪ ،‬كالتقديم والتأخير‪.‬‬ ‫* الجانب الـمعجمي‪ :‬ويعالـج على صعيده معنى الكلمة العالمة معزوال عن أي مؤثر تركيبي أو سياقي‬ ‫ومعاينة آثار ذلك كتزاحم المعاني الكثيرة على اللفظة الواحدة‪.‬‬ ‫* أما التعـابير التي يتجاوز الـمعنى فيها حدود ألفاظها ‪-‬ولو بشرح أجزائها أو ترجمتها‪ -‬الكتسابها‬ ‫معاني خاصة ضـمن ظروف خاصة نحو قولهم‪ :‬الذهب األسود‪ .‬فإنها تعد مستوى يتجاوز الحدود الشكلية‬ ‫للغة ويدرك في إطار سياقات أخرى تمثل اللغة بعضها‪ ،‬وتستأثر ببقيتها سياقات مصاحبة أخرى‪.‬‬ ‫وبعد أن أضحت قضية المستويات اللغوية إجراء حاز قبول اللسانيين‪ ،‬واعتبروه أنجع وسائل دراسة‬ ‫اللغة واستكناه خصائص عناصره ووظائفها؛ فإنهم اختلفوا بعد ذلك في حدودها وموقعها من اللغة‪ ،‬وعددها‬ ‫حسب منازع كل مدرسة ومنهجها وغاية بحثها‪ ،‬واختلفوا كذلك في تراتبيتها وحدود العالقات بينها‪ ،‬واتجاه‬ ‫حركة التحليل من األكبر المركب (الخطاب) إلى األصغر البسيط (الصوت) أو االنطالق من الجزء‬ ‫المكون إلى الكل المتشكل‪ ،‬كل ذلك كان نتيجة لمحاولة اللسانيين إدراك حقيقة وتفاصيل اللغة اإلنسانية؛‬ ‫فلجأوا "إلى افتراض أنها تتضمن جوانب متعددة يمكن لفرع أو أكثر من فروع علم اللغة أن يقوم بدراستها‬ ‫مع إيمانهم بأن طبيعة اللغة تأبى هذا الفصل‪ "1‬فدراسة اللغة منطوقة أو مكتوبة‪ ،‬تقف أمامها جبهات‬ ‫تتفاعل في ساحتها جميع عناصر اللغة على ما ذكر آنفا‪.‬‬ ‫وتية هي أول ما يكون من عملية التحليل‬ ‫الص َّ‬ ‫الدراسة َّ‬ ‫واذا كان هناك من اللسانيين من يرى أن ّ‬. ‫اللغوي؛ فإن لسانيين آخرين يرون أن المستوى الحقيقي من اللغة هو َّ‬ ‫التركيب المفيد للمعنى‪ ،‬والذي يتحقق‬ ‫في مستواه الهدف األول من اللغة وهو التواصل‪ ،‬وذلك ال يكون إال بتركيب مفيد‪ ،‬ومن هنا ذهبوا إلى أن‬ ‫التحليل يجب أن يتجه من الكل المركب إلى الجزء البسيط "والصوت هو حد التحليل اللغوي ونهايته‬ ‫وأصغر قطعة في النظام اللغوي‪ "2‬وأيا كانت وجهة التحليل أو مراتبه‪ ،‬فإن الذي عليه إجماع اللسانيين هو‬ ‫اإلقرار بالتداخل الشديد بين هذه المستويات على شكل يستحيل معه الفصل بينها‪.‬‬. ‫‪ -1‬بريجيته بارتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة‪ ،‬ص‪.199‬‬ ‫‪ -2‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ في اللسانيات‪ ،‬ط‪ .2‬الجزائر‪2006 :‬م‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬ص‪.43‬‬. ‫‪- 19 -‬‬.

(26) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫الدارسين في المستويات ُّ‬ ‫غوية‪ ،‬و َّاتجاه حركة َّ‬ ‫أهم آراء َّ‬ ‫التحليل‪.‬‬ ‫الل َّ‬ ‫ترسيمة ت ّبين ّ‬ ‫الداللة‬ ‫الصوت‬ ‫الشكل‬ ‫مستويات‬ ‫اللُّغة‬. ‫اللُّغة‬. ‫النــــحو‬ ‫الصرف‬ ‫الصرف‬. ‫المعنى‬ ‫النـــــحو‬. ‫االنطالق‬ ‫من‬ ‫الصوت‬ ‫نحو‬ ‫الداللة‬. ‫االنطالق‬ ‫من‬ ‫التركيب‬ ‫نحو‬ ‫الصوت‬. ‫الصوت‬. ‫وأمام مسلمة تمثل أي حدث لساني لكل هذه القيود والمسارات المغلقة حينا‪ ،‬والمفتوحة حينا آخر‬ ‫أضحت "فروع علم اللغة التي تقوم بدراسة هذه األحداث‪ ،‬يعتمد بعضها على بعض بشكل كبير‪ ،‬ولهذا‬ ‫كان مبدأ التقسيم ‪-‬مع ما سبق‪ -‬مبدأ مقر ار منذ عهد بعيد‪ ،‬وقائما على أساس سليم‪ "1‬وهي مع ذلك ليست‬ ‫مبادئ مستقرة استق ار ار كامال‪ ،‬وال تقوم على أسس سالمة مطلقة‪ ،‬فدراسة ُّ‬ ‫كوناتها‪ ،‬يبقى‬ ‫اللغة بتحليل م ّ‬ ‫إمكانية َّ‬ ‫التفكيك الحقيقي لذات‬ ‫مجرد إجراء نظرّي‪ ،‬يمارس تفكيكا لغرض المعرفة والفهم‪ ،‬وال يعكس‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫اللغة‪.‬‬ ‫واذ يتعرض البحث للمستويات اللغوية على النسق الذي سبق به الحديث نظريا‪ ،‬ومتابعة بعض‬ ‫التطبيقات المتناسبة معه في (مجالس التذكير) فمن منطلق متابعة المسار الذي سلكه ابن باديس في‬ ‫تعامله مع اآلية القرآنية في خصوصيتها القدسية مضمونا‪ ،‬وعلو لغتها شكال‪ ،‬وهو ما تتناوله الفصول‬ ‫القادمة‪.‬‬. ‫‪ -1‬محمد حسن عبد العزيز‪ ،‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬ص‪.199‬‬. ‫‪- 20 -‬‬.

(27) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫العامة‪ :‬تجدر اإلشارة إلى أن غرض التعريف باإلمام ابن باديس‬ ‫ثانيا‪-‬عبد الحميد بن باديس‪1‬وبيئته‬ ‫َّ‬ ‫وشيء من بيئته هنا‪ ،‬يختلف عن أغراض إيرادهما في تحقيقات كتبه‪ ،‬أو دراسات جوانب حياته وأعماله‬ ‫ذلك أن ما يرد في ترجمته هنا‪ ،‬يعتبر خلفيات لجهوده في الفكر واإلصالح‪ ،‬واحاالت على طبيعة تكوينه‬ ‫العلمي والمعرفي‪ ،‬والذي ال يزال الكثير منه نقاط ظل تضيئها في كل مرة منشورات جديدة من أرشيف‬ ‫اإلمام الخاص‪ ،‬كالذي تم نشره مؤخ ار (‪2012‬م) عن جوانب كانت خفية من حياة ابن باديس الدراسية‬ ‫والعلمية‪ ،‬وشيوخه واجازاته العلمية‪ ،‬والكتب المقررة التي أجيز فيها‪ ،‬وتصحح العديد من المعلومات التي‬ ‫شاعت عند من تناول حياته أو أعماله‪ ،‬وهو ما سيشار لبعضه في ما ستتعرض له الدراسة في موضعه‪.‬‬ ‫‪َّ -1‬‬ ‫التعريف بابن باديس‪ :‬هو عبد الحميد بن باديس الصنهاجي‪ .‬ينتهي نسبه إلى الـمعز بن باديس‬ ‫مؤسس الدولة الصنهاجية األولى‪ ،‬ولد بقـسنطينة يوم األربعاء الحادي عشر(‪ )11‬من ربيع الثـاني عام‬ ‫سبع وثالثمئة وألف من الهجرة (‪1307‬ه) الـموافـق لـلرابع (‪ )4‬من ديسمبر عام تسع وثمانين وثمانمئة‬ ‫وألف من الميالد (‪1889‬م) لوالده محمد المصطفى بن مكي بن باديس‪ ،‬صاحب الـمكانة الـمرموقة‬ ‫والشهرة الواسعة‪ ،‬ووالدته السيدة‪ :‬زهيرة بنت علي األكحل بن جلول‪.‬‬ ‫‪َّ -1-1‬‬ ‫العلمية وعوامل َّ‬ ‫التكوين ‪1889‬م‪1913 -‬م‪ :‬حفظ ابن باديس القرآن الكريم حفظا‬ ‫النشأة‬ ‫َّ‬ ‫جيدا على الشيخ (محمد المداسي) ولـما يبلغ الثالثة عشرة‪ ،‬وصلى بالناس التراويح ثالث سنوات متتاليات‪.‬‬ ‫وبداية من سنة (‪1903‬م) شرع في أخذ مبادئ العلوم الشرعية والعربية على الشيخ (محمد حمدان‬ ‫الونيسي) (ت‪1920‬م) وفيه يقول ابن باديس‪" :‬واني ألذكر لألول (الشيخ لونيسي) وصية أوصاني بها‬ ‫وعهدا عهد به إلي‪ ،‬وأذكر أثر ذلك العهد في نفسي ومستقبلي وحياتي وتاريخي كله‪ ،‬فأجدني مدينا لـهذا‬ ‫الرجل بـمنة ال يقوم بها الشكـر‪ ،‬فقد أوصاني وشدد علي أال أقرب الوظيفة وال أرضاها ما حييت‪ ،‬وال أتخذ‬ ‫علمي مطية لـها‪."2‬‬ ‫ولعل من أهم ما تتعين معرفته حول حياة ابن باديس؛ ما يتعلق بحقيقة تكوينه المعرفي‪ ،‬ونوعيته‪ ،‬فلقد‬ ‫ظل هذا الجانب غفال عند كثير من الباحثين‪ ،‬بسبب شح المعلومات الحقيقية حول ذلك‪ ،‬غير أن نشر‬ ‫وثائق ابن باديس الدراسية‪ ،‬وأسماء شيوخه واجازاتهم له‪ ،‬وطائفة كبيرة من الكتب التي درسها فأتقنها‬ ‫‪ -1‬اعتمد البحث في الترجمة على وصف تلميذه المقرب محمد الصالح رمضان له في تقديمه ‪-‬رفقة توفيق محمد شاهين‪-‬‬ ‫لتفسير ابن باديس‪ ،‬ط‪ .2‬بيروت‪2003 :‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫‪ -2‬ابن باديس "كلمة المحتفل به" مجلة الشهاب‪ .‬الجزائر‪ :‬ربيع الثاني وجمادى األولى‪1357‬ه‪ -‬جوان وجويلية ‪1938‬م‬ ‫س‪ ،14‬مج‪ ،14‬ج‪ ،4‬ص‪.308‬‬. ‫‪- 21 -‬‬.

(28) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫وأجيز فيها وغير ذلك؛ يدعو الباحثين إلى إعادة النظر في كثير مما قيل حول ابن باديس‪ ،‬وتصحيح‬ ‫كثير من اآلراء فيه‪ ،‬وانصافه في العديد من الجوانب التي بقيت مجهولة لما يزيد عن سبعين (‪ )70‬عاما‬ ‫من وفاته عام (‪1940‬م) واذ تكتفي الدراسة بإيراد جدول بأسماء أهم شيوخه واجازاتهم له‪ ،‬وعناوين أبرز‬ ‫الكتب المقررة؛ فإن ذلك ليس إال ملمحا جزئيا على سبيل إدراك حقيقة مكانة ابن باديس العلمية‪ ،‬ووسيلة‬ ‫إلى التقييم الموضوعي المنصف لجهوده المعرفية‪.‬‬ ‫المقررة لما قبل َّ‬ ‫جدول بأسماء شيوخ ابن باديس َّ‬ ‫مية)‬ ‫التطويع (العال َّ‬ ‫بالزيتونة‪ ،‬والكتب َّ‬ ‫األستاذ‬ ‫صالح العصبي‬. ‫اسم المادة والكتاب المقرر‬. ‫الشريف بن السعيد المقرئ‬. ‫تاريخ االمتحان‬ ‫صفر‪1328‬ه‪/‬فيفري‪1910‬م‬. ‫الوردي‬. ‫صفر‪1328‬ه‪/‬فيفري‪1910‬م‬. ‫التنقيح‬ ‫صالح الحلقي‬. ‫‪1‬‬. ‫األشموني‬. ‫صفر‪1328‬ه‪/‬فيفري‪1910‬م‬. ‫المية األفعال‬. ‫جمادى(‪1328 )2‬ه‪/‬جوان ‪1910‬م‬. ‫التجويد بأداء القاضي‬. ‫جمادى(‪1328 )2‬ه‪/‬جوان ‪1910‬م‬. ‫زكريا على الجزرية‬ ‫بلحسن النجار‬. ‫صفر‪1328‬ه‪/‬فيفري‪1910‬م‬. ‫المحلى‬ ‫مختصر السعد‬. ‫بن الطيب بوشناق‬. ‫محمد بن يوسف‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫الوردي على المختصر‬. ‫صفر‪1328‬ه‪/‬فيفري‪1910‬م‬. ‫مختصر السعد‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫السوسي في الشرح الكبير‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫شرح األشموني‬. ‫ربيع األول‪1328‬ه‪/‬أفريل‪1910‬م‬. ‫مختصر السعد‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫السوسي في الشرح الكبير‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫محمد بن الصادق بن مختصر السعد‬. ‫ربيع الثاني‪1328‬ه‪/‬أفريل‪1910‬م‬. ‫القاضي لخضر‬. ‫على التلخيص‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫صالح الهواري‬. ‫الوردي‬. ‫ربيع الثاني‪1328‬ه‪/‬أفريل‪1910‬م‬. ‫الوسطى‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫التسولي على التحف‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫التاودي على تحفة الكالم‬. ‫ربيع الثاني‪1328‬ه‪/‬أفريل‪1910‬م‬. ‫التاودي على تحفة الكالم‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫التهذيب‬. ‫ربيع الثاني‪1328‬ه‪/‬أفريل‪1910‬م‬. ‫التهذيب‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫األشموني‬. ‫ربيع الثاني‪1328‬ه‪/‬أفريل‪1910‬م‬. ‫محمد الصادق النيفر‬ ‫محمد الخضر بن الحسين‬ ‫محمد الخوجة‬. ‫‪ -1‬عبد العزيز فياللي‪ ،‬وثائق جديدة عن جوانب خفية في حياة ابن باديس الدراسية‪ ،‬د ط‪ .‬الجزائر‪2012 :‬م‪ ،‬دار الهدى‬ ‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪.28-27‬‬. ‫‪- 22 -‬‬.

(29) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬ ‫األشموني‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫التاودي على التحفة‬. ‫جمادى(‪1328)1‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫الرحبية‬. ‫جمادى(‪1328)1‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫الرحبية‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫الحبيس على التهذيب‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫مختصر السعد‬. ‫جمادى(‪1328)2‬ه‪/‬جوان‪1910‬م‬. ‫محمد الطاهر بن عاشور‬. ‫التنقيح للغرابي‬. ‫ذو القعدة ‪1328‬ه‪/‬نوفمبر‪1910‬م‬. ‫صالح الحلقي‬. ‫األشموني على الخالصة‬. ‫المحرم ‪1329‬ه‪ /‬جانفي ‪1911‬م‬. ‫عبد الرحمان البناني‬. ‫بلحسن النجار‬. ‫الزرقاني على البيقونية‬ ‫الطيب بوشناق‬ ‫محمد الصادق النيفر‬. ‫الوردي على المختصر‬. ‫المحرم ‪1329‬ه‪ /‬جانفي ‪1911‬م‬. ‫الوردي على المختصر‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫التاودي على التحفة‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫التاودي على التحفة‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬ ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫محمد بن الصادق بن المحلى على جمع الجوامع‬ ‫القاضي‬ ‫محمد بن‪.......‬‬. ‫روح قالون على نافع‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬ ‫األشموني‪ -‬جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫الرحبية‪-‬‬. ‫عبد الرحمان البناني‬. ‫التاودي‪-‬‬. ‫صالح العصيبي‬. ‫السعد‬. ‫جمادى(‪1329)1‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫صالح الهواري‬. ‫الوسطى‬. ‫جمادى(‪1329)1‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫الشريف بن السعيد المقرئ‬. ‫التجويد‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫التهذيب‪ -‬البيقونية‪ -‬الوسطى‬. ‫القاضي زكريا على الجزرية‬ ‫بلحسن النجار‬. ‫مختصر السعد‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫حسن بن الحاج السيناني‬. ‫القاضي زكريا على الجزرية‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫ابن القاضي على الشاطبية‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫التنقيح للفرابي‬. ‫جمادى(‪1329)2‬ه‪/‬جوان‪1911‬م‬. ‫محمد الطاهر بن عاشور‬. ‫وتخرج ابن باديس في الزيتونة بشهادة التطويع (العالـمية) في‪ 29‬رجب ‪1329‬ه الموافق لـ ‪25‬‬ ‫جويلية ‪1911‬م‪ ،‬مما يعني أنه أكمل مقرره الدراسي خالل عام ونصف (جانفي‪1910‬م‪/‬جويلية‪1911‬م)‬ ‫مختص ار خمس سنوات كاملة من المدة المقررة لنيل شهادة التطويع‪ ،‬ودرس بها سنة على عادة‬ ‫المتخرجين‪ .‬هذا والبن باديس قائمة أخرى بأسماء شيوخ ما بعد التطويع‪ ،‬وله منهم إجازات خاصة‪.‬‬. ‫‪- 23 -‬‬.

(30) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫وفي بداية السداسي الثاني من عام ‪1913‬م‪ ‬عاد من تونس‪ ،‬وشرع في تدريس كتاب (الشفا) للقاضي‬ ‫عياض بالجامع الكبير بقسنطينة لكنه منع‪ .‬وفي نفس السنة كان خروجه الثاني‪ ،‬فيمم تلقاء الحرم حاجا‬ ‫وهناك التقى علماء ومفكرين من مشارب شتى‪ ،‬كان أبرزهم الشيخ (حسين أحمد الهندي) ناصحه بالعودة‬ ‫إلى الجزائر لحاجتها إلى إكمال ما بدأه‪ ،‬نصيحة جاءت على إثر عرض شيخه األول أحمد أبي حمدان‬ ‫لونيسي نزيل الـمدينة الـمنورة‪ ،‬اإلقامة بالحجاز‪ .‬وبها التقى رفيق دربه في ما بعد محمد البشير اإلبراهيمي‪.‬‬ ‫وفي طريق العودة عرج ابن باديس على بالد الشام ومصر‪ ،‬وباشر بنفسه حالة العالـمين العربي‬ ‫واإلسالمي فسمع من شيوخ وعلـمـاء منـهم الشيخ (طاهر الجزائري) الـمصلح الفـقـيـه بـبالد الشام‪ ،‬وقال فيه‪:‬‬ ‫"هو الذي ربى عقلي‪ ،‬وهو الذي حبب إلي هذا االتجاه الفكري‪ "1‬وجلس بمصر إلى الشيخ (محمد بخيت‬ ‫الـمطيعي الحنفي) رفيق محمد عبده‪ ،‬والـمدرس باألزهر‪ ،‬وأحد رواد اإلصالح في العصر الحديث‪ ،‬والذي‬ ‫ازره ابن باديس سنة (‪1913‬م) في بيته بحلوان وأجازه‪ .‬كما له إجازات أخرى من الحجاز ومصر وبالد‬ ‫الشام‬ ‫‪ -2-1‬ا َّلتحضير واإلعداد (‪1913‬م‪1931-‬م)‪ :‬رجع ابن باديس إلى قسنطينة ليباشر التعليم في‬ ‫(الجامع األخضر) بسعي من والده لدى الحكومة‪ ،‬وبه ختم تفسير القرآن تدريسا في ربع قرن‪ ،‬كما أتم‬ ‫شرح كتاب (الموطأ) لإلمام مالك ‪ ‬تدريسا أيضا‪ .‬أسس الـمدارس االبتدائية العربية الـحرة عبر كل‬ ‫التراب الجزائري‪ ،‬ونشر عدة كتب قيمة ضمن إعادة إحياء كتب التراث العربي القديم‪ ،‬وأسس نوادي ثـقافـية‬ ‫ورياضية وكـشفيـة‪ ،‬في كبرى المدن الجزائرية‪ ،‬وبعد تأسيس المطبعة الجزائرية اإلسالمية‪ ،‬أصدر عدة‬ ‫السَّنة) و( َّ‬ ‫الشهاب) لتبليغ الدعوة اإلصالحية‪.‬‬ ‫جرائد (المـنتقد) و( ُّ‬ ‫الصراط) و( ّ‬ ‫الشريعة) و( ّ‬. ‫‪ -3-1‬اإلنجـاز (‪1931‬م‪1940-‬م)‪ :‬لقد كان من أبلغ الردود من وجهة النظر الباديسية على إحياء‬. ‫ذكرى مرور مئة (‪)100‬عام على االحتالل؛ تلك الدعوة التي جمعت علماء األمة على ضرورة مباشرة‬ ‫خطوة أكثر ج أرة تغطي على كثير من الجهود الفردية المبثوثة في أنحاء مختلفة من الوطن‪ ،‬وهي تجميع‬ ‫العلماء في إطار عملي واحد ما يعني بالضرورة جمع تلك الجهود التي وجدت منذ بداية القرن العشرين‬ ‫وقد حمل العديد من هؤالء العلماء إنجازات بيضت وجوههم‪ ،‬ومسحت عن األمة عار السبات الطويل‬ ‫فمبارك الميلي بـ (رسالة الشرك ومظاهره) و(تاريخ الجزائر في القديم والحديث) وأبو اليقضان إبراهيم‬ ‫‪‬‬. ‫يشيع في معظم ما كتب أن ذلك كان عام ‪1912‬م‪ ،‬والصحيح ما ذكر‪ ،‬بناء على منشورات جديدة من وثائق اإلمام‪.‬‬. ‫‪ -1‬ابن باديس‪" ،‬شيخي" مجلة الشهاب‪ .‬الجزائر‪ :‬جمادى األولى ‪1356‬ه‪10 -‬جويلية‪1937‬م‪ ،‬مج‪ ،13‬س‪ ،13‬ج‪5‬‬ ‫ص‪.249‬‬. ‫‪- 24 -‬‬.

(31) ‫الفصل َّ‬ ‫مهيدي‬ ‫الت‬ ‫ّ‬. ‫تأسيسية‬ ‫تعريفات َّأو َّلية ومفاهيم‬ ‫َّ‬. ‫بنشاطه التعليـمي والتربوي على صفحات نحو ثماني (‪ )08‬صحف ما بين جوان ‪1930‬م و‪1938‬م‪ ،‬وهذا‬ ‫اإلبراهيمي بيده البيضاء في (دار الحديث) في تلمسان‪ ،‬ومقاالته على صفحات (البصائر) وغير ذلك من‬ ‫جهود يضيق لذكرها الـمقام‪ .‬غير أن واسطة العقد بين هذه الجهود ما ذكره الشيخ اإلبراهيــمي بعد إق ارره‬ ‫للشيخ محمد عبده باإلمامة في الــتفسير ثم "انتهت إمامة التفسير بعده في العالم اإلسالمي كله‪ ،‬إلى أخينا‬ ‫وصديقنا‪ ،‬ومنشئ النهضة اإلصالحية العلمية بالجزائر؛ بل بالشمال اإلفريقي عبد الحميد ابن باديس‪"1‬‬ ‫وهو المشروع الذي سيرد التعريف به‪.‬‬ ‫‪ -2‬مالمح الوضع العام زمن ابن باديس‪ :‬يأتي المشروع التفسيري الباديسي ‪-‬على خالف كثير من‬ ‫التفاسير‪ -‬ركنا أساسا من أركان بعث علمي واجتماعي شامل‪ ،‬ومما يزيد في القيمة العلمية والثقافية‬ ‫للمشروع‪ ،‬أنه جاء معاص ار ألحلك فترات االحتالل الفرنسي للجزائر‪ ،‬وما أفرزه من ظروف عامة رهيبة‪.‬‬ ‫إن سرد الظروف الـمختلفة للمرحلة التي ألف فيها تفسير ابن باديس يشغل حي از كبي ار لكثرتها‪ ،‬وتداخل‬ ‫أحداثها‪ ،‬غير أنه من الضروري متابعة‪ ،‬ما له عالقة بإنشاء ابن باديس لحركته التي كانت الرد الـمناسب‬ ‫أو الـمقدور عليه ‪-‬في تصوره‪ -‬على تلك الظروف‪ ،‬ثم إن تصوير الوضع الجزائري في مظاهره المختلفة‬ ‫خالل هذه الفترة التي تبتدئ بالعقد األخير من القرن التاسع عشر‪ ،‬أي بميالد ابن باديس في ‪1889‬م‬ ‫وبداية القرن العشرين إلى حدود سنة ‪1940‬م منه ‪-‬سنة وفاته‪ -‬يبدو مستحيال‪ ،‬لضيق الـمقام الذي ال‬ ‫يسمح بتفصيل الحديث عن هذه الظروف‪ ،‬إال بالقدر الذي يصور لنا ذلك السياق العام الذي أسهم بشكل‬ ‫أو بآخر في بناء خطاب التفسير الباديسي‪.‬‬ ‫أما على الصعيد السياسي‪ ،‬فقد مضى على الوجود الفرنسي في الجزائر عند مولد ابن باديس نحو ستة‬ ‫عقود‪ ،‬أحكم المحتل قبضته على البالد والعباد‪ ،‬وأجبر كل شيء على الخضوع واإلذعان‪ ،‬وبعد سنة‬ ‫‪1847‬م؛ تــاريخ القضاء على أشد مقاومة‪ ،‬وأكثرها حمال لشكل الدولة في طور النشأة بقيادة األمير عبد‬ ‫القادر؛ بدأت مالمح سياسة فرنسية استئصالية ال تبقي وال تذر‪ ،‬فـ "في سنة ‪1848‬م أعلن مجلس النواب‬ ‫الفرنسي‪ ،‬أن أرض الجزائر قطعة (طبيعية) من فرنسا‪ ،‬وأنها جزء من [ أم الوطن]‪ "2‬وأما عن الوجود‬. ‫‪ -1‬أحمد طالب اإلبراهيمي‪ ،‬آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي‪ ،‬ط‪ .1‬بيروت‪1997 :‬م‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ج‪2‬‬ ‫ص‪.252‬‬ ‫‪‬‬. ‫هكذا في األصل‪ ،‬ولعل الصحيح (الوطن األم)‪.‬‬. ‫‪ -2‬أحمد توفيق المدني‪ ،‬هذه هي الجزائر‪ ،‬د ط‪ .‬الجزائر‪2009 :‬م‪ ،‬دار البصائر‪ ،‬ص‪.86‬‬. ‫‪- 25 -‬‬.

Références

Documents relatifs

The experimental method allows us to study the evolution of characteristic flow properties such as depth averaged velocity, slip velocity, surface velocity, shear rates or flow

Based on these relative bioavailability studies carried out in mostly iron-replete adults and adolescents with iron compounds intrinsically labeled with either radio or stable

We characterize the following be- haviours in the one-dimensional case: solutions are global if the mass is below the critical mass and they blow-up in finite time above the

Both novels explore questions of modernity whereby queer adolescence and adulthood in South Asia appear inextricably interlocked with the experience of postcolonial modernity..

ايجولوميسلا ةيهام ثلاثلا لصفلا ءادػػىلإا " ىلا ايبمق فم ةجوسنم طويخب يتداعس تكاح فم ىلا ءاطعلا ؿميلا يذلا عوبنيلا ىلا ةزيزعلا يتدلاك " ؽيرط يف

9 - 2 - يضايرلا بيردتلا قرط ( ،دتٛأ يسوطسب 1999 ةحفص ، 37 ) : عفرك تُستٖ يلع بيات٬اك ديج لكشب لمعي ةبسانت١ا يضايرلا بيردتلا ؽرطك بيلاسلأ لثملأا

While servitizing capital equipment is a proven method of increasing access to these machineries in many high-income countries (HICs), the benefits of servitization often do